فن و ثقافة

الدراما السورية تنهل من الواقع… حكاياها البوليسية

الدراما السورية تنهل من الواقع… حكاياها البوليسية… السعي وراء مطالب الحياة اليومية هو الهدف المطلق في حياة السوريين، ولا يمكن لأي مسلسل منافسة مغامرات الحصول على الخدمات الأساسية في الشام هذه الأيّام! مع ذلك، يبقى للدراما الرمضانية مكانة عالية مرتبطة بطقوس هذا الشهر، إذ قد يجد المشاهد السوري في الشاشة الصغيرة فسحةً للفرجة التي تصوغ متعته وتقبض على مفردات حياته بدون تغريب مقصود، أو إدارة الظهر لما يكابده! هذه السنة لا تزيد عن سابقاتها بالنسبة إلى سوريا، بسبب تبعات الحرب الطويلة والحصار الاقتصادي الجائر والغلاء الكاسح. الطوابير تملأ المدينة، والجوع يتسيّد مشهدها، والعوز يسطو على سكّانها. لذا قد يختار المشاهد المسلسلات الاجتماعية القريبة من حياته.

البداية مع «خريف عُمر» (كتابة حسام شرباتي ويزن مرتجى شاركهما لمى عبد المجيد ويارا جروج تحت إشراف رانيا الجبان ــ إخراج المثنى صبح ـ إنتاج «سما الفن» ـ يعرض على «سما»). يحكي المسلسل قصة عمر الدالي الذي وصل إلى خريف العمر. يستفيق ذات يوم على اتصال من ابنته الوحيدة التي تعيش خارج البلاد، لتروي له حياتها العصيبة وما تتعرض له من زوجها. هنا، يقرر أن يبدأ رحلته الطويلة مع جردة حساب دقيقة لكلّ مراحل حياته السابقة. ينتبه إلى أنّ العمر الذي أفناه تحت أقواس المحاكم لم يجد نفعاً في كثير من الأماكن، ولم تؤت جهوده القانونية أُكلها دائماً. لذا لن يكون أمامه سوى تطبيق شريعة حمورابي وقانون الغاب لتقويم الأشياء كما يجب، بعدما تقاعد من المحاماة. رغم القناعات الخاطئة التي قد تقود عمر الدالي إلى عالم الجريمة، إلا أنّه سيسلك درباً اختاره في لحظة حاسمة من حياته، إضافة إلى قصص داعمة لشخصيته مثل علاقته بابنته وحبيبته السابقة التي تعود بعدما هجرت البلاد لأنّها عجزت عن الزواج به بسبب الاختلاف الديني.

سنكون على موعد مع الإثارة والتشويق في «مقابلة مع السيد آدم 2» (إخراج فادي سليم الذي شارك في الكتابة مع شادي كيوان ــ بطولة: غسان مسعود ومحمد الأحمد ورنا شميس ومصطفى المصطفى ويزن خليل) الذي يعدّ من أبرز الأعمال المؤجّلة بعد الانتهاء من تصويرها العام قبل الماضي. قدّم الجزء الأول حكاية شوّقت الجمهور بعدما تابع الأستاذ الجامعي آدم عشية استعانة الجهات الجنائية به لكشف ملابسات مقتل فتاة مصرية في سوريا، بذريعة خبرته الطويلة في هذا المجال ومن ثم اعتزاله لها وتفرّغه للتدريس الجامعي. وبالفعل يتمكّن من كشف ملابسات الجريمة، ما يجعله يقع في مواجهة مع المجرمين الذين يخطفون ابنته المصابة بمتلازمة داون ويجعلونه يغيّر تقريره. لكنّ الفتاة تموت بعد عودتها إلى أهلها بسبب خلل في جرعاتها الدوائية. يُخفي الرجل الجريمة ويبدأ برحلة تصفية الحساب مع أفراد العصابة. رحلة ستستمرّ في الجزء الثاني مع رحلة الانتقام الطويلة.

أما في «كانون» (تأليف علاء المهنا، ومعالجة درامية خالد إبراهيم، وإنتاج جميل الغيث وناصر الجوابرة، والمنتج المنفذ يامن ست البنين. بطولة: بسام كوسا، مهيار خضور، ميلاد يوسف، رنا الأبيض، سلمى المصري، هبة نور، جوان الخضر، طارق مرعشلي، عبد الفتاح المزين، علاء قاسم، أحمد رافع، حسام الشاه، فرح خضر، محمد قنوع، راما زين العابدين، سارة بركة، إنجي مراد)، فنحن أمام عمل ينطلق من القاع الدمشقي، ليضيء على نماذج حياتية مسحوقة ضمن حكاية بوليسية تجري في قالب تشويقي، بشرط أن تنتهي كلّ حلقة بحدث جسيم مرتبط بما يليه.

من جهته، يقف «دوار شمالي» (مسار إجباري/ كتابة حازم سليمان وإخراج عامر فهد ـ إنتاج I See Media / إياد الخزوز ـ بطولة: عبد المنعم عمايري، أمل بوشوشة، أنس طيارة، نانسي خوري، أحمد الأحمد، محمد حداقي، فايز قزق، كارمن لبّس، هبة نور، علي كريّم، وائل زيدان، طارق مرعشلي، جمال العلي، عبير شمس الدين، مريم علي، علا باشا، مروة الأطرش، رنا كرم ــ قنوات «أبو ظبي») بمثابة شاهد على حقبة زمنية غنيّة، وبيئة اجتماعية خصبة، نغوص في أعماقها من خلال حيّ «ماورد» الدمشقي الشعبي الذي يتمتع بأهمية جغرافية كبيرة، ما جعل عقاراته ثروةً باهظة. محاولة السطو عليه ستصطدم بقوّة ضاربة في الحي، فيقرر الفاعل وصاحب المصلحة في ذلك الاعتماد على ابن أحد تجّار الشام، لأنّ والده من مالكي هذا الحي الأساسيين. هكذا، يحوّله إلى قاتل متسلسل يزيل عثرات الرجل الفاسد تباعاً، لنصل إلى ذروة سريعة. لن تكون تلك الأحداث المفصلية سوى انعطافة درامية حادة، توزّع الورق من جديد بعد خلطه، لتبدأ اللعبة مجدداً ويعود بعدها القاتل بذريعة السيطرة على البناء الذي كان يخفي جرائمه فيه، وقد صار قاب قوسين من تكشّفها جميعاً. وبالتوازي سيبحث عن الانتقام من الرجل الفاسد الذي أوصله إلى هذا المكان.

أما في «مال القبان» (كتابة علي وجيه ويامن حجلي إخراج سيف السبيعي بطولة: بسّام كوسا، سلاف فواخرجي، خالد القيش ــ إنتاج «إيبلا الدولية»/ هلال أرناؤوط وأحمد الشيخ)، فنحن أمام نوع اجتماعي يقترح مجموعة قصص من الواقع السوري، بطريقة تحاكي الوضع المعيشي الراهن في سوريا وما يتخلله من أزمات ومشكلات يواجهها الناس في يومياتهم من خلال سوق الهال الذي يعتبر شرياناً رئيسياً لا يمكن أن يتوقف عن النبض، مهما قست الحياة أو اشتعلت الحروب.

الأزمة اللبنانية حاضرة بطريقة غير مباشرة في«الكرزون» (كتابة مروان قاووق ورنيم العودة وإخراج رشاد كوكش ـ بطولة: أسامة الروماني، ليليا الأطرش، شكران مرتجى، فراس إبراهيم، فاتح سلمان، عبير شمس الدين، قاسم ملحو ــ إنتاج «أفاميا الدولية»/ فراس الجاجة- منصّة «ويّاك»). إذ نتابع قصة عائلة سورية تعرضت للإفلاس جراء إيداع أموالها في المصارف اللبنانية، ويحاول الأب تحصيل جزء من أمواله، لكن انفجار مرفأ بيروت يعرّضه لصدمة، فيقرر استغلال الحادثة والاختفاء عن ابنته الوحيدة والمدللة علّه يلقنها درساً. لا يقارب المسلسل انفجار مرفأ بيروت، بل تبعاته بطريقة توظّف لصالح الحدث الدرامي الذي يحصل في سوريا.

 

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى