مساحة رأي

الدولة الوطنية السورية… جثة سياسية تُنقل من عاصمة إلى عاصمة

محمد الشماع

منذ ديسمبر 2024، لحظة نهاية النظام السياسي السابق، دخلت سوريا منعطفًا حاسمًا. كثيرون اعتبروا ما جرى ولادة وطنٍ جديد، لكن الواقع أفرز مشهدًا أعقد مما توقّعه الجميع. فعوضًا عن تشكّل دولة وطنية متماسكة، وجدنا أنفسنا أمام خارطة جديدة من الفوضى، التفاهمات الهشّة، والإدارات المتعددة، تُدار أغلبها من الخارج، وتفتقر إلى مشروع وطني واضح.

الدولة كما يفترض أن تكون  سيادة واحدة، مؤسسات جامعة، وتمثيل شعبي  باتت في موقع المتفرّج، بينما ملفاتها تُتداول بين العواصم الكبرى، ويُعاد رسم حدود سلطتها في غرف مغلقة، لا في صناديق اقتراع ولا على طاولات حوار داخلية.

ما حدث في الساحل السوري… ناقوس هشاشة وتفكّك مقلق

شهدت بعض المناطق الساحلية في مطلع 2025 اضطرابات أمنية غير مسبوقة، طالت مناطق اعتُبرت سابقًا محصّنة سياسيًا واجتماعيًا. التقارير تحدثت عن عنفٍ واسع، وانتهاكات طالت مدنيين، في ظل غياب واضح لدور مؤسسات الدولة الجديدة في ضبط الأوضاع أو ضمان المحاسبة.

هذه الأحداث زعزعت ما كان يُنظر إليه كـ”مربع أمان”، وأظهرت أن المرحلة الجديدة لا تحمل ضمانات كافية لأحد، مهما كانت خلفيته أو موقعه السابق.

الجنوب من اشتباكات محلية إلى تدخلات متعددة المسارات

في السويداء، انفجرت الأزمة إثر احتكاكات متكررة بين مكوّنات اجتماعية محلية. تطورت بسرعة إلى مواجهات مسلّحة، أثارت قلقًا واسعًا، ودفعت جهات متعددة للتدخل. ما نتج كان اتفاقًا هشًا رعته أطراف خارجية، وقضى بترتيبات أمنية مؤقتة، منها إعادة الانتشار، تنظيم السلاح، وتفعيل لجان محلية.

لكن الأهم أن الملف نفسه خرج من السياق الوطني، وبات يُناقش في ساحات إقليمية ودولية، وظهرت فيه أدوار غير معتادة لطرف ثالث، ضمن صيغة “الضمانات الهادئة”.

الجيش الجديد بين الاندماج الرسمي والانقسامات الفعلية

تشكّلت نواة مؤسسة عسكرية جديدة، لكنّها ما تزال تعاني من تحديات واضحة:

– التكوين غير المتوازن بين المناطق والمكونات الاجتماعية.

– تفاوت في العقيدة والانضباط بين المجموعات المندمجة.

– استمرار بعض الهيكليات المستقلة داخل المؤسسة الموحدة.

ورغم ارتداء الزي الواحد، ما تزال الخلفيات التنظيمية تؤثر في اتخاذ القرار، وتُضعف من صورة الجيش كضامن جامع للهوية الوطنية.

اللقاءات الخارجية… غياب الداخل وحضور العواصم

عُقدت لقاءات متعددة في باريس، وأنقرة، وفي مدن أخرى، شارك فيها ممثلون عن بعض القوى الفاعلة في الساحة السورية، ولكن بغياب تام لأي تمثيل شعبي حقيقي أو مؤسسات مدنية مستقلة.

ما يُناقَش في هذه اللقاءات يطال ملفات حسّاسة: التقسيم الإداري، شكل الحكم، ترتيبات الأمن، وحتى التمثيل الدولي. كل ذلك دون شفافية داخلية أو مسار رسمي يضمن إشراك السوريين أنفسهم في صياغة مستقبلهم.

سؤال مشروع… هل وُلدت الدولة الوطنية؟ أم أُجهِضت قبل اكتمالها؟

من حيث الشكل، هناك مؤسسات جديدة، شعارات جديدة، وخطابات وطنية متعددة.

لكن من حيث الجوهر، لا تزال الدولة غائبة عن مساحات واسعة:

– سياساتها تُرسم خارج الحدود.

– قراراتها تُناقش دون تفويض شعبي.

– هويتها متنازعة بين ولاءات ومصالح متعددة.

وهنا يُطرح السؤال بمرارة:

هل دخلنا فعلاً مرحلة بناء الدولة، أم مجرد إعادة تدوير السلطة في شكلٍ جديد؟

  بين الواقع المرير والأمل الصامت

رغم كل ذلك، ما يزال هناك نبض في المجتمع السوري، يرفض الاستسلام، وينشد عقدًا وطنيًا حقيقيًا يعيد تعريف الدولة كضامن للجميع، لا كواجهة مرحلية.

الدولة الوطنية ليست شعارًا، بل منظومة انتماء وسيادة ومواطنة.

وإن فشلت المرحلة الأولى، فالمطلوب ليس التعايش مع الفشل، بل إعادة التأسيس بطريقة لا تُنقل فيها الجثة من عاصمة إلى أخرى… بل تُبعث فيها الروح داخل البلاد نفسها.

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى