الدين والسياسة. مَن يفسد مَن؟ (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

لا يجرؤ علمانيو السياسة العرب على أن يقولوا رأيهم الصريح في مزج الدين بالسياسة، من جهة ما يمكن أن يلحقه التزمت الديني من ضرر بالسياسة.
لقد صارت للدين ميليشياته المسلحة التي لا تتورع عن القتل في أية لحظة تجده مناسبا لحماية مشروعها الذي هو في الاساس مشروع سياسي.
ومع ذلك فاننا نسمع بين حين وآخر من يقول "لن يكون فصل الدين عن الدولة هدفا في حد ذاته، بل هو محاولة لابقاء الدين في عليائه المقدسة".
كما لو أن العلمانيين يخشون من خلال ذلك القول على الدين من أن يتلوث بالدنس الدنيوي لو زُج به في اللعبة السياسية، وهي لعبة يمتزج فيها الكذب الدائم بالدهاء المؤقت، كما يتم الايحاء به، من قبل العلمانيين أنفسهم.
يبدو العلمانيون في طرحهم الساذج كما لو أنهم يحرصون عل نقاء الدين الذي يقع خارج حدود نشاطهم أكثر من حرصهم على نظافة السياسة وهي عالمهم.
صورة فكاهية استضعفتهم أمام استقواء المؤسسة الدينية بجماهير سلمتها أنظمة الاستبداد إلى اليأس.
ستكون المؤسسة الدينية ممتنة للعلمانيين بسبب اعترافهم بفساد مقاصدهم.
لن يُفهم ذلك الاعتراف من جهة كونه محاولة منافقة، تهدف الى استرضاء الرأي العام.
فالمؤسسة الدينية التي احتكرت الدين والمؤمنين به لم تكن قادرة على استيعاب حق الآخر في التعبير عن تطلعات رعيتها الخاضعة لمشيئتها، وهي تطلعات لا تنص عليها النصوص المقدسة التي هي جزء من ارثها السماوي.
وقد تكون الاشارة إلى أن انهيار الانظمة التي قامت على أساس قومي قد شكل فرصة عظيمة لخروج المؤسسة الدينية من عالمها السفلي لكي تعلن في حالتنا أن الاسلام هو الحل. وهو حل كان من وجهة نظر مقترحيه قد تأخر اربعة عشر قرنا، بالرغم من أن هناك ما يزيد على الالف سنة، كانت كلها تستظل براية الخلافة الاسلامية.
ما يسمى اليوم بالاسلام السياسي هو محاولة لتعكير المزاج السياسي بما يدفع به إلى الانتحار بشعوب قُدر لها أن تكون مستسلمة للحظة يأس، لا أحد في إمكانه أن يقدر نتائجها.
لقد استلم اسلامويو العالم العربي شعوبا سلمها القمع إلى الصمت.
اما علمانيو تلك الشعوب فقد كانوا يحرصون على أن يضبطوا كلامهم وفق مقاييس أخلاقية عرفت المؤسسة الدينية كيف توظفها لصالحها. فكان العلمانيون يؤكدون انفصالهم عن المجتمع في كل لحظة يرغبون فيها في مصالحته والتودد إليه.
لقد تمكنت المؤسسة الدينية من المجتمع في الوقت الذي كان فيه العلمانيون يحلمون بدولة المواطنة المدنية التي تنأى بنفسها عن الدين، بطريقة تحفظ للمؤسسة الدينية ماء وجهها.
لم تكن السياسة بمفهومها المعاصر سائدة في حياة الإنسان العربي، وهو ما لم يفهمه جيدا دعاة الفصل بين الدين والسياسة. وهو ما جرهم إلى ارتكاب خطيئتهم الكبرى التي تمثلت في الدعوة إلى عدم الزج بالدين في عالم السياسة، بدلا من أن يفضحوا فساد المؤسسة الدينية ودورها الخطير في اضعاف الدولة تمهيدا للانقضاض عليها. وهو ما حدث في غير مكان من العالم العربي.
فالموقف المتراخي واللين من المؤسسة الدينية هو واحد من أهم أسباب انتشار العنف الديني واتساع رقعته.
كان الاولى بعلمانيي السياسة العرب أن يركزوا في خطابهم التنويري على الاضرار التي يمكن أن يلحقها الدين بعالم السياسة من جهة ما يجسده من فكر شمولي لا يقبل التسويات الواقعية بدلا من أن يُظهروا خشيتهم على الدين الذي يقع خارج اختصاصهم.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى