الرئيس بوتين يَقْتَرِح مُبادَرة “مُعاكِسة” بإخْلاء المَدنيين وليس المُسلّحين
الرئيس بوتين يَقْتَرِح مُبادَرة “مُعاكِسة” بإخْلاء المَدنيين وليس المُسلّحين أعلن وزير الدِّفاع الروسيّ الجِنرال سيرغي شويغو، هُدنةً إنسانيّةً لمُدَّة خَمس ساعاتٍ يوميًّا اعتبارًا من صَباح الثلاثاء في الغُوطة الشرقيّة المُحاصَرة للسَّماح للمَدنيين بِمُغادرة أماكِن القِتال، وبِهَدف تَقليص الخسائِر في صُفوفِهم من جَرّاء القَصف.
المُبادرة الروسيّة التي يَقِف خلفها الرئيس فلاديمير بوتين شَخصيًّا، تَنُصْ على إقامة مَمر (كوريدور) إنساني لإجْلاء المَدنيين، ولكن “جَيش الإسلام”، الذي يُعتَبر القُوّة العسكريّة الأكبر في الغُوطة، رَفضها مُنذ الدَّقيقةِ الأولى، وفَعلت الشيء نَفسه جماعاتٍ أُخرى مِثل “فيلق الرحمن” التي وَقّعت على رسالةٍ مُشتَركةٍ إلى الأُمم المتحدة رَفضت فيها “تَهجير المدنيين أو تَرحيلِهم”، بينما أشار قِياديّون في “جيش الإسلام” إلى استعدادِ مُقاتِلي “هيئة تَحرير الشام” (النُّصرة سابِقًا) للخُروج من المِنطقة.
هذهِ هِي المرّة الأولى تقريبًا التي يَتقدَّم فيها الروس بمُبادرة من هذا النّوع، أي السَّماح بخُروج المَدنيين، وليس المُسلّحين، مِثلما جَرت العادة في مُعظَم، إن لم يكن كُل، الحالات المُماثِلة، ومن المُعتَقد أن القِيادة الروسيّة أقدمت على هذهِ المُبادَرة لتجنُّب الحَملات الإعلاميّة الشَّرِسة التي اسْتهدفتها عربيًّا ودَوليًّا بسبب ارتفاع أعداد القَتلى المَدنيين في الغُوطة من جَرّاء القَصف المَدفعي والجوّي.
المُبادرة الروسيّة ما زالت غامِضة وغير مُكتَمِلة، وفُرص قُبولها تَبدو مَحدودةً، فهُناك أكثر من 300 ألف مُواطِن سوري مُحاصِرين في المِنطقة، فحتى لو افْترضنا أن نِصف هؤلاء قرّروا المُغادرة عبر “الكورودورات” الآمنة، فإنّ السُّؤال أين سَيذهبون، وهل هنُاك أماكِن إيواء سَيتم إعدادها لهم، ومن سَيُشْرِف على إقامتها، الدولة السوريّة، أم الدولة الروسيّة، أم الأُمم المتحدة؟ والسُّؤال الأهم هل سيَقبَل هؤلاء المُغادرة؟ أو هل سيُسمَح لهم بالمُغادرة؟
ما يُمكِن استخلاصه من هذهِ المُبادرة الروسيّة، وما بين سُطورها، أن هناك إصرارًا روسيًّا سوريًّا على المُضِي قُدمًا في الهُجوم على الغُوطة الشرقيّة، حتى القَضاء على “الجماعات الإرهابيّة” المُتمرِّسة فيها أو خُروجهم في حافِلات خَضراء إلى مدينة إدلب، وهذا ما يُفسِّر استثناء هذهِ الجَماعات من قرار وَقف إطلاق النار الذي صَدر عن مَجلس الأمن الدولي قَبل يَومين، ومُوافقة “الجيش الإسلامي” و”فَيلق الرحمن” الضمنيّة على هذا الخُروج، ونَفْيها إطلاق أيِّ قذائِف على العاصِمة.
صحيح أن حِدّة الغارات قد خَفّت قليلاً، وكذلك القَصف الصَّاروخي من قِبَل الجيش السوري، حسب بيانات المَرصد السوري لحُقوق الإنسان، ولكن ما زالت الخسائِر البشريّة مُرتَفِعة حيث قُتِل حواليّ 22 مدنيًّا بينهم أطفال اليوم فقط، وهذا رقمٌ كبيرٌ ومُؤلِم في الوَقت نفسه.
مَصدر لُبناني مُقرَّب من السُّلطات السوريّة أكّد للزميل كمال خلف مُراسل “رأي اليوم” في بيروت “أن الغارات الروسيّة السوريّة ستَستمر حتى القَضاء على آخر إرهابي في الغُوطة، لأنّه لن يَتِم السَّماح بِسُقوط قذائِف الهاون على العاصِمة بعد اليَوْمْ”، وأكّد المَصدر أن “السُّلطات السوريّة تقوم حاليًّا بحَملة إعلاميّة مُضادّة تُعبِّر فيها عن توقّعاتها بـ”فَبركة” انْتهاكات جديدة بِقَصف الغُوطة بأسلحةٍ كيماويّة لاتّخاذها ذَريعةً لضَرباتٍ أمريكيّة”، وربّما جاءت هذهِ الحملة بعد تصريحات للسيد محمد علوش قائِد “جيش الإسلام” اتّهم فيها السُّلطات السوريّة باسْتخدام غاز الكلور في هَجماتِها على الغُوطة الشرقيّة.
مَعركة الغُوطة تُعتَبر أكثر خُطورةً من مَعركة حلب ودير الزور، لأنّها تتعلّق بأمْن العاصِمة السوريّة دِمشق، وهَيبة النِّظام نفسه، ولذلك سَتكون مَعركة حياة أو موت بالنِّسبة إلى المِحور الروسي السوري الإيراني، ولهذا لا تَحْتَمِل الحُلول الوَسط.
هُناك بارِقة أمل ما زالت غير واضِحة، وهي اسْتعداد جَبهة النصرة، وجماعاتٍ أُخرى مُتحالِفة معها، للخُروج من الغُوطة بِمُقتضى اتّفاق تَرعاه الأُمم المتحدة، ويَعتقد الكثيرون أن هذه الخُطوة، إذا ما تأكّدت، يُمكِن أن تكون المَخرج من هذهِ الأزمة، وَحقنْ دِماء المَدنيين على وَجْه الخُصوص، مِثلما حَدَثَ في حلب وغَيرِها.
خُروج المُسلّحين الذين يَنتَمون إلى جماعاتٍ “مُتشدِّدة” مُتّهمة بانْتهاك اتّفاق خَفض التوتّر في الغُوطة، وليس خُروج المَدنيين وتَهجيرِهم، هو الحَلْ الأمثل، والأسْلم، لجَميع الأطراف، ومن غَير المُستبعَد أن تكون المُبادَرة الروسيّة ورقة ضَغط للوُصول إلى هذا الهَدف.. والله أعلم.