الرياض وطهران: الأزمة في العمق (حبيب فياض)

 

حبيب فياض

لا مانع من القول إن زيارة وزير الخارجية الايراني المرتقبة الى السعودية قد تؤدي الى تفاهمات جزئية على بعض الملفات العالقة بين طهران والرياض. لكن، بالمقابل، لا شيء يدعو الى الجزم بأن هذه الزيارة سوف تضع علاقات البلدين على سكة التلاقي والتفاهم النهائي. ذلك أن هوة الخلاف بين قطبي العالم الاسلامي تتخطى الازمات الراهنة في المنطقة الى الأصول المؤسسة لكل منهما، وتحديدا لجهة المحددات الدينية والتموضعات الاستراتيجية.
في الأصل، لا يمكن حصر الخلاف الاقليمي بين طهران والرياض في خانة التباين السياسي الناشئ عن تباعد المصالح وتزاحم النفوذ على مستوى المنطقة، بل ان المشكلة بينهما تعود الى تعارض وظيفي مرتبط بأصل نظام الحكم في كل من الجمهورية الاسلامية والمملكة السعودية. يشهد على ذلك أن العلاقات بين الجانبين ظلت، منذ انتصار الثورة الايرانية، متعارضة دينياً واستراتيجياً، حتى وان بدت في مراحل عديدة منسجمة تكتيكيا.
عقائديا، يتموضع الجانبان على طرفي نقيض من الانتماء الاسلامي والمذهبي. فالنظام الايراني تأسس دينيا على نظرية ولاية الفقيه التي جسدت، من حيث المفهوم والممارسة، نمطاً معاصراً من الحكم الديني القائم على الدمج بين الدين والسياسة. بالمقابل، تقوم المملكة على مزاوجة بين سلطة سياسية مرتبطة بالخارج، وسلطة دينية سلفية تنزع الى التكفير أكثر من نزوعها الى الاعتراف بالآخر المختلف مذهبياً. الربط بين الديني والسياسي في كلا البلدين يجعل من المتعذر تعاملهما مع الاختلافات السياسية بمعزل عن خلفياتها المذهبية. ذلك كله قد لا يكون ظاهرا في الخطاب التخاصمي المتبادل، لكنه حاضر بالعمق في ساحات الاشتباك والاختلاف بينهما.
استراتيجيا، يرى الايرانيون أن فلسفة نشوء النظام الاسلامي العام 1979 تقوم على طرد الوجود الاجنبي داخل ايران وكف يده عن المنطقة. بالمقابل، هم يعتقدون أن نظام السعودية مرتبط من حيث نشأته ودوره، واستقراره الداخلي وموقعه الخارجي، بالنفوذ الاجنبي، وتحديدا الاميركي، بدءا من الوجود العسكري الاميركي داخل المملكة ودول الخليج، مرورا بوقوفها الى جانب صدام حسين في حرب الثماني سنوات، وصولا الى تقاربها مع اسرائيل واستنفادها كل امكاناتها من أجل اسقاط النظام السوري، حليف ايران الاستراتيجي.
بينما في المقلب الآخر، تنظر الرياض الى الدور الايراني في المنطقة على انه سبب للتوتر وعدم الاستقرار. وهو، كما ترى، يجمع بين «ديماغوجبة ثورية» تتوخى الفوضى والتهويل، و«براغماتية ذرائعية»، تريد تحقيق المكاسب على حساب المصالح العربية والخليجية تحديداً، بدءاً من اتخاذ الوجود الاجنبي في المنطقة ذريعة للتمدد الاقليمي، مرورا بالطموحات النووية غير السلمية تحت ستار الحاجة الى طاقة بديلة، فضلا عن الاعتبارات المذهبية التي تبرر لطهران اختراق المجتمعات والمواطنين في دول الجوار، وصولا الى اتخاذ القضية الفلسطينية شعاراً للمزايدة على الدور العربي.
هذا التعارض الحاد في الرؤية ينعكس بين الجانبين على شكل أزمات مستديمة في المنطقة: صراع دموي في العراق و سوريا، وانقسام سياسي حاد في لبنان. وذلك يعني، اولا، الترابط العضوي بين هذه الازمات باعتبارها جبهات متعددة في حرب واحدة، وثانيا صعوبة الانتقال في كل واحدة منها، بمعزل عن الأخرى، الى حيز الحل الدائم.
انه عصر أقلمة الأزمات، ولا حل دائما لأي أزمة محلية الا في اطار اقليمي شامل!

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى