فن و ثقافة

الزجل على المنابر الثقافية

عماد نداف  

لا يمكن التنكر لأهمية الشعر الزجلي في سورية ولبنان ، وإن أخذ الشعر النبطي هذا الدور في مناطق عربية أخرى كالجزيرة العربية والخليج والعراق .. فالزجل فن شعري معروف لدينا وله تاريخه ورجالاته وجمهوره وفي الوقت نفسه له إشكالياته .

في لبنان سطعت أسماء شعراء زجليين كثر  مثل  خليل روكز وموسى زغيب وطليع حمدان وزين شعيب وادوار حرب وجريس البستاني واسعد سعيد وغيرهم ، واعتبر الشعر الزجلي أحد الأنشطة التي تستقطب الناس في المنتديات والسهرات والبرامج التلفزيونية، وأفسحت قنوات تلفزيونية لبنانية متعددة مساحة للشعر الزجلي ونجومه من فرق مختصة وشعراء معروفين وقدمت هذه الفقرات بأساليب مختلفة على أرضية أن الزجل هو جزء من الفنون والآداب الشعبية التي ينبغي جعلها وسيطة في التفاعل بين الجمهور ووسائل الإعلام.

وفي العودة إلى تجربتنا السورية ، لم نصل إلى هذه السوية من التعامل والإشهار، فهناك أسماء معروفة بين شعراء الزجل كفؤاد حيدر وأسامة السمرة ومحمد دالاتي وسمير هلال وحسون سيف الدين، ولو سألنا متابعي الإعلام عن معرفة هؤلاء لاستغربوا وجودهم، ومن عرف أو سمع بهم فإن الواسطة التي سمع بها لن تكون الإعلام إلا نادراً، ولن تكون المنابر الثقافية إلاّ صدفة.

لم يكن الزجل على وفاق مع الحالة الثقافية في بلادنا، وقد كان معروفاً فيما مضى، ورغم انتشاره في الأوساط الاجتماعية وظهور منتديات زجلية وفرق تؤدي هذا النوع من الشعر إلا أن الجهات الثقافية الرسمية لم تكن تتساهل مع تغطيته أو منح الفرض لشعرائه على المنابر الثقافية والإعلامية.

ورغم ذلك تسربت بعض الحالات عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية في أوقات مختلفة نتيجة قرارات شجاعة، لكنها مالبثت أن خبت لأنها لم تجد من يشجعها ويعطيها الفرص الكاملة، فقبل أكثر من عشر سنوات مثلا جرى تسجيل برنامج زجلي للشاعر الزجلي السوري ماجد حمدان ولكن بثه على الشاشة جرى عند الفجر ، وكأن ثمة تهيب من عرضه في أوقات المشاهدة، لأن ذلك قد يستفز الجهات الثقافية، فهل الزجل ظاهرة ثقافية أم ظاهرة تشوش على الثقافة؟

في حقيقة الأمر ليس هناك موقف ثقافي واضح  من الموضوع، بل إن أساس التهيب من تبنيه هو إشارة وردت على لسان مسؤولة ثقافية هامة أعربت فيها عن رغبتها في عدم تأطيره واحتضانه ضمن الحالة الثقافية العامة، وتمنت حصر المسألة بالفنون الفصيحة، كنوع من الحرص على اللغة العربية.

السؤال يطرح نفسه: هل يسعى الشعر الزجلي اليوم في سورية لإعادة الحيوية لنفسه عبر الأنشطة المختلفة ، وهل تغيرت النظرة إليه من الجهات الوصائية ؟!

مؤخرا أقيمت محاضرة حول الشعر النبطي، كان يقدمها على منبر المركز الثقافي الشاعر عبد الكريم العفيدلي، وكان بين الحضور مديرة التراث اللامادي التي طرحت سؤالاً هاماً يتعلق بشرط مشاركة المرأة في الشعر النبطي لتقوم اليونيسكو بإدراجه ضمن قائمة التراث اللامادي السوري.

ذكرتني هذه المحاضرة مباشرة بمسألة الاستثمار في الثقافة، والتوجيهات المتعلقة بالموضوع، وقد تحمست لها كثيراً ، لكن ما حصل في ندوة عنها أقيمت في فندق الميرديان قبل أعوام جعلني أقدم مداخلة شفهية أدّعي فيها أن التوجيهات المتعلقة بالاستثمار هامة جدا لكنها تحتاج إلى مشروع ثقافي واضح ومتبلور، وتم الرد علي بقسوة من قبل مسؤولين هامين كانوا موجودين بأن المشروع الثقافي موجود وماشاء الله عليه.

إذا كان ثمة شيء جديد يتعلق بالشعر الزجلي ومعاملته معاملة الشعر الفصيح فهذا مفاجئ لي، وإن كنت لا أمانع فيه ، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بمنظمة اليونيسكو لتسجيل الزجل أو الشعر النبطي في قائمة التراث اللامادي الإنساني فهذه مسألة أخرى .

في الأسبوع الماضي حضرتُ فعالية زجلية (ممتعة) بعنوان : الزجل فن حي ويتجدد ، وكانت المشاركة فيها مزدوجة حيث شارك الشاعران الزجليان شفيق ديب وحسان بسطاطي إضافة إلى الشاعر علي الدندح ، والغريب أن القاعة غصّت بالحضور، وكان التفاعل كبيراً مع الفعالية ، فقرأ شفيق ديب شيئا مما لديه ألهب فيه حماسة الحضور، وكذلك فعل حسان بسطاطي، وجاءت القصائد الشعرية التي ألقاها علي الدندح لتجيب على سؤال جوهري هل نحن أمام نماذج إبداعية شعرية يمكن التآخي بينها وإقامة فعاليات مشتركة لها ؟

إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى العودة إلى تسجيلات الفعالية، التي قام التلفزيون بتغطيتها وحضرها أيضا مستشار وزيرة الثقافة السيد نزيه خوري، والتي توجت بمساجلة زجلية رائعة بين ديب وبسطاطي، فالشعر الزجلي الذي سمعناه ربما يكون أقوى في المبنى والمعنى من عشرات القصائد الشعرية التي نسمعها بين فترة وأخرى ونراها دخيلة على الشعر

وعلى المنابر الثقافية، لهذا أجد من الضروري عدم إغلاق الباب أمام الزجل، وإفساح المجال له ليكشف عن قاماته ، وخاصة أن الغناء السخيف غزا أجيالنا ولم نقف منه الموقف الذي وقفناه من الزجل ، فالزجل نوع من الفنون الشعرية ينبغي تأصيله وتحويله إلى مادة ثقافية وترفيهية معا، لأنه القادر على الجذب وتقديم المعنى والمبنى معا حتى لو دخلت إليه المفردات العامية .

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى