السبيل إلى وقف القتال (سمير العيطة)

 

سمير العيطة

لماذا تمّ اتفاق حمص في هذا التوقيت بالضبط، وليس قبل ثلاثة أشهر، أو على العكس، بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية المزمعة في سوريا؟ سؤال لا بدّ من محاولة الإجابة عنه لاستقراء ما يجري في البلد. وهذا السؤال ينبغي طرحه على القوى المناوئة للنظام قبل تلك التي تدعمه.
لقد تبعت اتفاق حمص مباشرة الاستقالة المتوقّعة للمبعوث الأممي – العربي الأخضر الإبراهيمي، أي أنّ التفاوض السوري على أساس وثيقة «جنيف 1» قد أجّل إلى أمد غير مسمّى، أو ربّما انّ الوثيقة برّمتها ستستبدل بتوافقٍ إقليميّ – دوليّ مختلف. وأعقب الاتفاق انفتاح سعودي – إيراني على الحوار، كان الجميع يتأمّله كمفتاح للحلّ في سوريا.
بالتأكيد، لا يعني هذا أنّ الحلّ بات قريباً، وأنه سيكون على أرضيّة انتصار السلطة القائمة، مهما كانت ظروف ونتائج الانتخابات الرئاسيّة في ظلّ السلاح. إذ هناك ضغط عسكريّ حقيقيّ من المعارضة المسلّحة في وسط البلاد وجنوبها، خصوصاً الصراع على «حلب الغربيّة» التي يتمّ قطع المياه عن مليون مواطن فيها، بما في ذلك عن أولئك الذي نزحوا إليها من «حلب الشرقيّة» هرباً من البراميل المتفجّرة التي تتساقط عليهم. وليس من المستبعد أن يكون هناك رهان على تمكن المعارضة العسكريّة من فرض سيطرتها على هذه الأخيرة. إلاّ انّ معركة شرسة في مدينة مكتظّة بالسكّان ستكون بالقطع ذات كلفة بشريّة كبيرة. هنا يبرز التساؤل: إلى أين يمكن لسكّان حلب أن ينزحوا من جديد بعد نزوحهم الأوّل؟
وخلفيّة مثل هذا الرهان ربّما هي أنّ يكون هناك «سوريّتان» مع خط تماس واضح بينهما، تذهبان بعد حين مع ممثليهما إلى طاولة تفاوض من نوعٍ آخر، غير جنيف. من غير الواضح إلى أين سيؤدّي هذا السيناريو، خصوصاً إذا ما تحقّق هذا الرهان، حيث سيبقى شرق البلد الذي تفشّى فيه التطرّف ينهك الطرفين، كلّ على حده، ويمنعهما من أن يلتقيا على محاربة التطرّف. وهنا قد يتكرّر المشهد الذي يعرفه العراق من حرب السيارات المفخّخة والتفجيرات التي يُمكن أن تكون لها عواقب أكثر سوءاً. كذلك قد يؤدّي هذا السيناريو إلى مزيد من تحييد المناطق التي تهيمن عليها قوّات كرديّة بعيداً عن باقي سوريا، على الأقل لتنأى بنفسها عن الصراع الدمويّ القائم.
بالتالي، إذا كانت بداية الحلّ في وقفٍ لإطلاق النار، فالأفضل لسوريا هو أن يتمّ ذلك على أساس التواجد الحالي للمتصارعين، وعلى خطّ تماس معقّد متداخل بين المناطق. إنّ ذلك سيجبر الأطراف المتفاوضة على التعامل مع هذا التداخل، وعلى الفصل بين ما هو أمنيّ وما هو شعبيّ، ليبقى المواطنون يديرون شؤونهم اليوميّة كما يفعلون الآن ولتبقى مؤسّسات الدولة والجهات الإغاثية تخدم الجميع من دون تمييز.
في المحصّلة، الطرفان المتصارعان هما اخوة وأبناء وطن واحد. ومهما ذهبت الأمور بعيداً، فليس لأيّ منطقة أو فئة مقوّمات وجود واستمراريّة من دون المناطق الأخرى. ولن تسمح القوى المتصارعة على سوريا بتحقيق انتصارٍ حاسمٍ لأيّ طرفٍ على الآخر، كما أنّ كلفة دعم «استقلاليّة» مناطق بعينها ستكون باهظة، لا يُمكن للخارج تحمّلها على المدى الطويل.
على السوريين أن يجعلوا البحث عن سبل وقف الحرب أولويتهم منذ الآن. هذا أهمّ بكثير من انتخابات رئاسيّة ومن رحلات إلى واشنطن وغيرها. هذه وتلك لا تغيّران شيئاً، وليستا سوى مهرجانات إعلاميّة. وعلى السوريّين أن يبحثوا عمّا ستكون عليه الأمور بعد وقف القتال. ليس انطلاقاً من الأوهام، بل انطلاقاً من الواقع التي وصل إليه البلد مهما كان غارقاً في السوء. المهمّ حقّاً اليوم هو هم… هم جميعهم… ومصيرهم كمواطنين متساوين في بلدٍ واحد، هنا على أرضهم التي لم تغادرها أغلبيّتهم برغم الصراع عليها، وبرغم اختلافاتهم. عبر هذا السبيل، سيتوقّف القتال.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى