السياسة في مصر (الياس سحّاب)

 

الياس سحّاب

هناك نظرية لدى بعض اساتذة العلوم السياسية، تقول إن السياسة الخارجية لدولة ما، ليست سوى صورة في المرآة للسياسة الداخلية في تلك الدولة.
نعود الى استذكار هذه النظرية، ونحن نقارن بين البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة في مصر، في محاولة لاستطلاع ملامح السياسة الخارجية (والعربية جزء منها) في العهد المصري الرئاسي القادم، ايا كان المرشح الفائز بالرئاسة.
من وقائع سياسة مصر الخارجية الاساسية في العصر الحديث، الموقف الذي وجد الزعيم جمال عبد الناصر نفسه امامه عندما اتخذ قراره الداخلي بتأميم قناة السويس لتمويل مشروع السد العالي، بعد ان قررت الولايات المتحدة سحب تمويل البنك الدولي لهذا المشروع.
هذا الموقف كان في حقيقته امتحانا سياسيا عسيرا وقف امامه عبد الناصر، في سياسته الداخلية كما الخارجية، عندما تلقى الانذار الشهير بضرورة العودة عن قرار التأميم، اذا اراد تجنيب مصر مواجهة عسكرية مع بعض قوى المجتمع الدولي.
وقد روى عبد الناصر تفاصيل هذا الموقف في احدى خطبه الشهيرة بعد ذلك. اذ قال انه اراد قبل اتخاذ قراره النهائي برفض او قبول الانذار الدولي، استطلاع الموقف الداخلي للمجتمع المصري من هذه المسألة، عبر استدعاء لمختلف القطاعات الممثلة لجميع فئات المجتمع المصري، للاطلاع على رأيها وموقفها النهائي من هذه المسألة.
ويقول عبد الناصر، باختصار شديد للموقف، إنه لاحظ ان ممثلي الطبقات الاجتماعية الثرية في المجتمع المصري،التي كانت تسيطر على معظم خيرات مصر، كانت تميل بشدة الى قبول الانذار، خوفا من نتائج المواجهة على مصالحها الاقتصادية. أما ممثلو الطبقات الشعبية، فكانت تميل كلها، من دون استثناء، الى رفض الانذار ومواجهة تبعات ذلك الموقف، مهما كان الامر، حرصا على كرامة الوطن ودفاعا عنه.
يومها لخص عبد الناصر خلاصة تجربته هذه بقوله إن الذين يمتلكون غالبية خيرات مصر، تراجعوا عن الدفاع عن كرامة الوطن، حرصا على مصالحهم. اما ممثلو الطبقات التي لم تكن تمتلك شيئا من خيرات الوطن، فكانت مستعدة لدفع الثمن بلا تردد. وينهي عبد الناصر حديثه في خطابه الشهير، بأنه اتخذ قراره النهائي برفض الانذار الدولي، بناء على هذا الاستفتاء للاوضاع الداخلية في مصر.
هذه الواقعة الشهيرة لا تؤكد لنا فقط ان السياسة الخارجية لدولة ما، هي صورة في المرآة للسياسة الداخلية لهذه الدولة، بل هي، اكثر من ذلك، تأتمر بأوامر السياسة الداخلية.
لعله الميزان الادق لاستشراف اتجاهات السياسة الخارجية لمصر، في العهد الرئاسي الجديد: راقبوا الاتجاهات الاساسية في السياسة الاجتماعية والاقتصادية الداخلية للرئيس القادم، تجدوا فيها ينابيع كل قراراته الهامة في تحديد سياسة مصر العربية والدولية، بما في ذلك الموقف من دور مصر في الصراع العربي – الاسرائيلي.
وكلما كان الاتجاه اقوى لتطبيق شعار ثورة «25 يناير» «العدالة الاجتماعية»، قويت اتجاهات الحفاظ على كرامة مصر وحجمها ودورها في قرارات السياسة العربية والسياسة الدولية.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى