تحليلات سياسية

الشارع اللبناني يستقبل تشكيل الحكومة الحكومة الجديدة بتفاؤل حذر

 تجاوز اللبنانيون عقدة تشكيل الحكومة، بعد استعصاء دام 13 شهرا، ليدخلوا في مرحلة التشكيك والتفاؤل الحذر لا فقط لحجم التحديات بل أيضا لأن التشكيلة الحكومية الجديدة وفق اللبنانيين حافظت على نفس وجوه المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة.

وإذا كان وصول بعض الشخصيات إلى الحكومة على غرار فراس أبيض، مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي والذي لمع اسمه لعمله على مكافحة تفشي وباء كوفيد-19، قد لاقى ترحيب البعض، فإنّ الشكوك ما زالت قائمة.

وشهد لبنان الجمعة ولادة حكومة نجيب ميقاتي، وهو واحد من أبرز أثرياء هذا البلد وسبق أن ترأس حكومتين. وحدد مجلس الوزراء اللبناني يوم الإثنين المقبل موعدا لانعقاد أول جلسة وزارية للحكومة الجديدة برئاسة ميقاتي.

وتضم الحكومة الجديدة 24 وزيرا عدد منهم لم يخض غمار السياسة من قبل لكن معروفون بنجاحاتهم في مجالات اقتصادية وطبية وإعلامية.

وأبصرت الحكومة، التي كان تشكيلها لا بدّ منه للحصول على مساعدات دولية، النور بعد تجاذبات سياسية متمادية بين الأحزاب التي تتقاسم السلطة في لبنان دون أن تحظى بمصداقية طيف واسع من اللبنانيين.

وعزا خبراء لبنانيون أسباب الانفراجة المفاجئة في تشكيل الحكومة اللبنانية إلى توافق فرنسي إيراني، لاسيما وأنها تشكلت عقب 5 أيام على اتصال هاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي.

وقال خبير الشؤون الأوروبية تمام نور الدين إن طهران أصدرت بيانا عقب الاتصال الأخير بين ماكرون ورئيسي، أعلنت فيه عن تعاون مرتقب بين البلدين وحزب الله (الموالي لإيران) لتشكيل حكومة.

وأضاف نورالدين أن فرنسا لم تنف الأمر أو تشكك في بيان إيران (في إشارة إلى موافقتها الضمنية على فحواه).

وغردت السفيرة الفرنسية آن غريو عبر “تويتر”: “بعد 13 شهرا من الشغور، يشكل تأليف الحكومة المرحلة الأولى والأساسية لتعافي لبنان. من الملح الآن البدء بالعمل”.

أضافت: “‏يتطلب الوضع المأساوي في البلد التزاما بناء من قبل كل القوى السياسية، بحيث تتمكن الحكومة التي يقودها الرئيس نجيب ميقاتي من العمل بتصميم في سبيل تحقيق الاستقرار والوحدة والازدهار في لبنان ومن أجل كافة اللبنانيين”.

والمخاوف المشتركة التي جرى التعبير عنها سواء في وسائل الإعلام أو شبكات التواصل وأيضا على ألسنة بعض الخبراء، محورها مدى قدرة الحكومة الجديدة على إنعاش اقتصاد يعاني من تدهور غير مسبوق، وهامش التحرك الذي تحظى به في مجال الإصلاحات.

واتسع نطاق التساؤلات ليشمل طبيعة التغييرات التي يمكن إنجازها على يد فريق حكومي اختار أفراده أقطاب الحياة السياسية الممسكين بمكامن السلطة منذ عقود ويُنظر إلى سياساتهم الزبائنية والشكوك حول فسادهم على أنّها المتسببة بالانهيار الاقتصادي.

الطبّاخون أنفسهم

وكتبت لبنانية على موقع فيسبوك “إنّها حكومة (…) النيترات والعقم السياسي والفساد التوافقي”، في إشارة إلى الانفجار الهائل الذي زلزل بيروت في اغسطس 2020 نتيجة تخزين كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم في مرفأ العاصمة بدون أي احتراز.

وأسفر الانفجار عن أكثر من 200 قتيل ونكب أحياء بأكملها في العاصمة، ورأت فئات واسعة أنّ انعدام كفاءة الفئة الحاكمة تسبب به.

وكانت حكومة حسان دياب قد استقالت بعد أيام من الانفجار في ظلّ استنكار شعبي وغضب عارمين.

وتساءل الباحث والأستاذ الجامعي سامي نادر “الطباخون أنفسهم (في إشارة إلى الطبقة السياسية) شكّلوا الحكومة، فهل هم قادرون على تقديم وجبة جديدة؟”، مضيفا أنّ “الخوف الحقيقي في ألا يقود أسلوب عمل (النظام) نحو إنتاج شيء جديد”.

بدورها، رأت صحيفة لوريان-لوجور الناطقة بالفرنسية أنّ مهمة الحكومة جسيمة و”هرقلية”، في إشارة إلى بطل أسطوري في الميثولوجيا اليونانية والرومانية.

وتتخذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعاني منها لبنان منذ صيف 2019 مسارا تصاعديا، ووصفها البنك الدولي بأنّها من بين الأسوأ منذ عام 1850.

لبنان

وتقدّر الأمم المتحدة أنّ 78% من الشعب اللبناني يرزحون تحت خط الفقر في ظلّ تضخم جامح وعمليات تسريح من الوظائف.

وترافق ذلك كلّه مع عتمة لفّت لبنان مع انقطاع التيار الكهربائي لنحو 22 ساعة في اليوم، إلى جانب المعاناة من انهيار قيمة العملة المحلية ومن القيود التي أقرّتها المصارف أحاديا، فضلا عن الرفع التدريجي للدعم الذي توفّره الدولة على مواد ومنتجات أساسية مستوردة وشحّ الوقود والأدوية.

إجراءات عاجلة

صارت الطوابير التي لا نهاية لها أمام محطات الوقود مشاهد تتكرر يوميا.

وقالت الناشطة والخبيرة في السياسات العامة سارة اليافي على وسائل التواصل “حين تقبع دولة في المراكز الثلاثة الأولى من حيث شدّة الأزمة الاقتصادية في التاريخ المعاصر للعالم، فإننا لا نعيّن وزيرا للسياحة ولا وزيرا للشباب والرياضة (…) وإنّما يتم تعيين 12 خبيرا اقتصاديا وماليا مستقلين للعمل على مدار اليوم على (الخروج) من الأزمة”.

ومن بين التحديات التي تواجه الحكومة، التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعدما توقفت المحادثات معه عملياً بداية صيف 2020. وتعتبر الأسرة الدولية أنّ اتفاقا كهذا لا مفرّ منه لتوفير مساعدات حيوية.

ومساء الجمعة، دعت عدة دول فاعلة في الملف اللبناني إلى ضرورة التحرّك سريعاً، ومن بينها الولايات المتحدة التي حثّت على اتخاذ “إجراءات عاجلة (…) لتلبية الحاجات الماسة للشعب اللبناني والاستجابة لتطلعاته المشروعة”.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى