الشاعر الجيد لايباع مرتين

 

لم اعرف من الشعراء الذين يتطابق فيهم وصف الشاعر وفعل الشعر..التمازج بين الشعر، بوصفه معجزة لغة ، والشاعر بوصفه حامل أثقل وأخف وأجمل منظومة قيم شخصية .

من بين هؤلاء …تعرفت الى طلال حيدرقبل اربعين سنة ،

عندما تلفن الشاعر علي الجندي والشاعر ممدوح عدوان واللواء غازي أبو عقل قائلا : معنا طلال حيدر.جايين لعندك نسهر ، شو نجبلك؟

متعة لاتوصف بحضور طلال الذي لايسكت متنقلا بين أحاديث وتواريخ وشعروتعليقات ، وفي اشتباكه مع علي الجندي وملعنات ممدوح وقراديات اللواءغازي في جريدة الكلب .

قبل أن يبدأ كل شيء ، رفع طلال كأسه وقال بلطف :ياعادل ياابن محمود…اذا ماعندك شريط “وحدن ” لامرأة قلبي فيروز،انزل عالسوق ، واعمل حالك ناقص شي للعشا .غير هيك، مارح صدّق اللي قالوه عنك: ” انك شاعر جيد ”

لحسن الحظ كان عندي.فبعد الكأس الأول امتلأ المكان برائحة تلك الزهرة العبقرية …البيلسان .وبالسحر في كلمات طلال حيدر.والاكثر سحرا ذلك اللحن الجريء لزياد الرحباني . وأذكرانني  طلبت من طلال: احكيلنا قصة هذه القصيدة .

كان طلال يجلس كل صباح على شرفة بيته يحتسي القهوة.وفي كل مساءايضا.وكان على مدى عدة أسابيع يمر امام شرفته ثلاثة شبان متشابهين ملتحين وبشعورطويلة مشعثة، ويمضون الى الغابة .وكانوا يحيّونه كلما مروا: مساء الخير أستاذ طلال .

مرت أيام لم يمرهؤلاء الشبان.

افتقدتهم .

وذات يوم صدمتني صورة الشبان الثلاثةعلى الصفحة الأولى من جريدة السفير، والعنوان : ثلاثة فدائيين ، فلسطيني وعراقي وسوري ، يقتحمون مستوطنة كريات شمونه –شمال فلسطين في11 نيسان 1974:

لهم كتبت هذه القصيدة:

وحدن بيبقوا متل زهرالبيلسان

وحدن بيبقطفو وراق الزمان

بيسكّروا الغابي

بيضلهن متل الشتي يدقو على بوابي

ياناطرين التلج ماعاد بدكن ترجعو؟

صرّخ عليهم بالشتي ياديب بلكي بيسمعو

يومها …نام طلال في سريري…وضعت الى جواره دفتر ورق وقلم ازرق وزجاجة ماء . يومها قال لي:هذه اللفتة أكدت أننا سنصبح أصدقاء . في الصباح ودعني وسافر الى السويداء لاجراء مقابلة مع سلطان باشا الأطرش في أيامه الأخيرة .

بعد 25 سنة التقينا في قبرص وامضينا مساءات ساحرة .كان صانع فرح ، حتى ان كل البارات التي سهرنا فيها كانت ترحب به كشاعر، ويطلبون اليه قراءات من اشعاره .

عندما قرأت قراديته التي القاها في مناسبة العيد الوطني للسعودية ، ومدح الملك عبد العزيز والملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان…

لقد ارتجف بي الماء والعذوبة والنقاء والمهارة في شعر طلال حيدر.وفكرت بطريقة الصحافه : لماذا ؟

أردت لنفسي حلا للصدمة… فلم أجد سوى قراءة شعره :

“هاالكان عندن بيت…وصورةعليهاناس معلقين بخيط

وقعو عن سطوح العمر وستلقتن الحجار

وقعومتل مابيوقع المشمش عولاد الصغار.”

……..

وقرأت :

“يافقر

كبرنا …كبرنا يافقر

وماحدا راح ينطرنا.

بكره ان سألو عنا ودقوالباب

قلّن يافقر: حبستو كلمه بكتاب.”

تذكرت فكرة الزمان عند طلال :

“يازمان … ياعشب داشر فوق هالحيطان”

فقررت مايلي:

أفهم ماحدث

لا أوافق على ماحدث

يشفع لطلال منجزه الجمالي وتاريخه الشعري النبيل.

المتنبي مدح كافور وهجاه .

ومع ذلك لنا عليك يابعلبكي ان تجيب …لماذا؟

ياصديقي : عاقبتنا .

لقد كانت قصيدتك … حقيره !

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى