اللاذقية – يقول المثل الشعبي ( بين حانا ومانا ضاعت لحانا ) وهذا يشير إلى الحيرة بين أمرين متناقضين يصعب الحكم على صحة أحدهما والتيقن منه، فيحصل التشتت بين التصديق والإنكار..
وحين تميل الكفة إلى الأمر السلبي ينمو الشك حول تصرفات الآخرين فيصبح كل تصرف فيه ريبة وتلعب الإشاعات دورا بتعزيز حالة الشك الذي يرافقه الخوف والقلق، فينتج عنه فقدان الثقة بالنفس وانعدامها في النظرة إلى سلوكيات الآخرين..
كان لي صديق عزيز على قلبي رحمه الله قتله الشك الذي أصبح مرضا لديه أذكر انه جاءني يوما متوترا غاضبا حزينا كانت الثقة بيني وبينه عمياء عشرة طويلة وذكريات مشتركة فاجأني بالسؤال هل فعلا تحبني يا صديقي
استغربت من سؤاله وأجبته إننا كالتوأم قل لي ماذا دهاك أجاب وكأنه خجل من نفسه :
ــ أنت تعرف زوجتي ما رأيك بها؟
وكانت زوجته صديقة وزميلتنا في الجامعة، فقلت :
ــ إنها بنت أصول، ذكية، وسيدة منزل، وهي مربية فاضلة، وزوجة رائعة، والكل يشهد بسلوكها وأخلاقها، إضافة إلى كونها جميلة ..
وهنا انتفض، وضرب على الطاولة، وهو يقول:
ــ جمالها هو الابتلاء بعينه.. المشكلة في جمالها، أنت تعلم أني أحبها أكثر من نفسي لكني حين اخرج برفقتها ألاحظ أن الجميع ينظرون إليها بإعجاب، تأكلها العيون..
وأضاف :
ــ أخاف أن تعجب بأحد غيري، وتذهب معه.. صارت الغيرة تنهش قلبي.. صرت استرق السمع الى مكالماتها الهاتفية.. تحولت غيرتي إلى شك بكل تصرفاتها وحركاتها وتطور الشك الى هواجس يومية : إذا وضعت احمر الشفاه ينتابني وسواس بأنها على موعد مع أحدهم..
وهنا كانت المفاجأة حين طلب مني متابعتها ومراقبتها، لكني أكدت له حسن سلوكها وأخلاقها، فغضب مني ردا على رفضي، واتهمني بأني متآمر معها ضده أشفقت عليه وتحولت حياته إلى نكد وجحيم أسئلة متتالية، وتحقيق دائم أصابه اكتئاب وابتدأ يفقد وزنه حتى علمنا بانه نام ولم يستيقظ !
رحمه الله ارتاح من عذابه بعد أن دمر أسرة كانت مضرب مثل في الحب والتعاون و كانا يعيشان بسعادة وهناء.
فالشك حين يتحول إلى مرض يقضي على صاحبه وينفر من حوله الجميع ، وقد يكون العامل الوراثي مساعدا بالذهاب بالشك إلى آخره، والشك عدة أنواع منه الشك الفلسفي المطلق الذي يرفض كل ما هو مسلم به والشك المنهجي الذي عند الفيلسوف ديكارت حيث اعتبر الشك امتحان نصل بواسطته إلى اليقين فالمعرفة اليقينية تمر عبر الشك .
كل منا يساوره أحيانا شك خفي نحو تصرفات شخص ما، لكن الحوار والمصارحة الصادقة مع بعض الاهتمام الذي قد يكون مفقودا في مرحلة ما يكسر هذا الشعور وتعود الثقة من جديد..
بوابة الشرق الاوسط الجديدة