الشيخوخة تتنهد
الشيخوخة تتنهد.. ها أنذا وقد أنجزت الثاني والتسعين عاما أواجه شيخوخة لا يضيرها عبء الزمن بقدر ما تعاني من متاعب الحياة في بلد يكاد يفقد إستقلاله الوطني و قدرته على مواجهة الغلاء الوحشي المتزايد وحرياته العامة المفقودة أكثر وأعمق .
ها أنذا أترحم على أيام زمان بالرغم من بعض العيوب التي عكرت علينا حياتنا آنذاك إذ ظلت سوريا بلداً واحداً مستقلا مقبولاً بالرغم من إنقلاباته العسكرية التي جرته إلى نظام الإستبداد أكثر فأكثر ولكنه ظل بلداً واحداً بالرغم من هذا الإستبداد الذي تحول إلى إستعمار أجنبي متنوع.
أقول هذا لا لشيء إلا لأعبر عن معاناتي النوعية التي لا تحكمها متاعب الشيخوخة بل متاعب الحياة العامة التي تتفاقم يومياً مما يجعل الحياة شبه مرفوضة و نشدان الموت حلماً لا خوف كبير فيه.
ماذا تعني الآن الحياة بالنسبة لشخص مثلي تجاوز التسعين ، حياة فقدت معظم معالمها النشيطة الجميلة إذ لم يعد لها نهرها بردى وقد جف مجراه وصار مستودعاً للنفايات، كما فقدت الغوطة الكثير من جمالياتها الطبيعية والإجتماعية وبات مناخ البلد يفقد يومياً طابعه المعهود بين فصوله الأربعة لصالح صيف محرق يسيطر أربعة أشهر وأكثر.
ماذا تبقى إذن من محافل السرور الإجتماعي والمحبة المشتركة والحماسة الوطنية والثقافة التقدمية . ماذا تبقى من كل هذا الجانب الجميل المشرق في أيامنا الحالية ؟..
و ماذا تعني الشيخوخة وهي تواجه وطناً يخسر جمالياته المتنوعة بإستمرار ؟ ماذا بعد الموت سوى الإقتصاد الذي يترنح والمجتمع الذي يتخاصم والثقافة التي تتلوث والمستقبل الذي يلوح براياته السوداء ؟!!.
هذه هي الشيخوخة التي كنا نعتز بها تحول إلى حقبة قذرة مريعة أبشع و أعمق مما يصنعه الموت .. و إن لا فما هو طعم الموت في مواجهة هذه الحياة المريرة التي لا تسمح للشيخوخة من أن تتنهد؟!.