الصراع الأمريكي الصيني على نفط السودان (د. إياد العرفي)

 د. إيادالعرفي

يشكل الخلاف بين الحكومة السودانية ودولة الجنوب الوليدة حول رسوم عبور النفط، أكبر تحد يواجه الصين بعد انقسام البلاد إلى دولتين، وقد يدفع بكين نحو حقل ألغام سياسي، تخشى فيه الدخول في المستنقع السوداني للدفاع عن مصالحها الاقتصادية وحماية استثماراتها النفطية، التي تقع في دولة السودان الجنوبي التي تفتقر إلى منفذ بحري، وهي لا تستطيع تسويقه إلا عبر خط أنابيب البترول الذي يمر شمالا إلى حيث الميناء الذي شيدته الصين ومولته على البحر الأحمر. والتحدي السوداني يمثل بروفة عملية في معالجة مشاكل أخرى في بعض الدول الأفريقية، التي تتشابه مع الحالة السودانية.

توسع الشركات النفطية الصينية في أفريقيا، لقي اهتماماً وقلقاً كبيرين في أوساط متخذي القرار الأميركي، وذلك من منطلق أن هذا التوسع يشكل تهديدا للمصالح الأميركية والغربية بشكل عام في القارة الأفريقية، خصوصاً وأن عدد الشركات الصينية في إفريقيا يصل إلى نحو 674.

يذكر أن الصين تحصل على ثلث احتياجاتها من النفط الخام من القارة الأفريقية، واستثمرت مليارات الدولارات في السنوات الخمس عشرة الماضية لضخ النفط الخام إلى اسواقها، بغرض سد احتياجاتها المحلية ومنها السودان.

بداية النفوذ الصيني في أفريقيا يرجع إلى الستينات من القرن الماضي، من خلال تأسيس علاقات أيديولوجية مع العديد من دول العالم الثالث اقتصرت لحد كبير على مقاومة الهيمنة الاميركية والغربية آنذاك، بالاستناد إلى الفكر الشيوعي "التحرري"، إلا أن هذه العلاقات في العقود الأخيرة اتخذت شكلاً جديداً يركز على العلاقات التجارية والاستثمارية والطاقة، لتشمل مؤخراً الدعم الصيني الدبلوماسي والمالي والعسكري، ما يرى فيه الغرب مصادمة للمعايير الليبرالية التقليدية التي يعولون عليها كمبدأ للتعامل مع الأقطار الأفريقية. أضف إلى ذلك أن الصين تمكنت، من خلال علاقات الاستثمار مع العديد من الأنظمة الأفريقية، من عزل تايوان في أكثر من 27 دولة أفريقية كانت تربطها معها علاقات وطيدة.

أخذت القارة الأفريقية تكتسب بعدا استراتيجياً على المستوى الدولي في السنوات الماضية، خاصة أنها تذخر بحوالي 12 في المائة من احتياطي النفط العالمي، كما تبلغ احتياطيات الغاز الطبيعي في القارة نحو 10 في المائة من اجمالي الاحتياطي العالمي.

ومن ملفات الصراع الدولي الحالي على الموارد الطبيعية في أفريقيا ملف الطاقة، حيث يمثل هذا الملف أهم محاور التنافس بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، وتظهر ملامحه بوضوح في السودان، وبخاصة أن اميركا تعتبر أكبر مستهلكي ومستوردي النفط في العالم، وتمدها أفريقيا بنحو25 في المائة.

يعتبر السودان من بين الدول الأفريقية التي ينظر الغرب بقلق لعلاقتها التجارية مع الصين، لاسيما في مجال النفط، حيث يحظى السودان بنسبة 7 في المائة من إجمالي ماتصدره القارة السمراء إلى الصين التي تعتبر ثاني مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، وتبلغ حصة المؤسسة الوطنية الصينية للبترول 40 في المائة في شركة النيل الكبرى للبترول السودانية، التي تسيطر على حقول النفط باستثمارات بلغت 3 مليارات دولار في منذ 1999.

يذكر أن السودان فقد حوالي ثلاثة ارباع إنتاجه النفطي البالغ 500 ألف برميل يوميا عقب انفصال الجنوب، وتظهر احصائيات الجمارك الصينية، أن بكين استوردت 92 مليون برميل نفط خام من السودان عام 2010.

تقوم الصين، بعد نيلها امتيازات الأعمال النفطية من الأنظمة الحاكمة في إفريقيا باتباع أسلوب الشركات الغربية في المسؤولية الاجتماعية للشركات، لكسب ود شعوب القارة، لتعزيز قبولها لديها، وذلك من خلال إنشاء المستشفيات، وملاعب كرة القدم، وكذلك الأنشطة الخيرية. وتهدف الإستراتيجية الصينية التجارية مع أفريقيا إلى تأسيس بعد صيني عالمي مؤثر في مسار السياسة والاقتصاد العالميين، وقد بدأ هذا التأثير واضحاً عندما تمكنت الصين مع شركائها الأفارقة في كسب قضية تايوان في الأمم المتحدة قبل عامين.

ويشكل دخول شركة شل العالمية في مفاوضات مع سلطات جنوب السودان، لمنحها حق امتياز تنقيب وبناء انبوب نفط إلى أقليم قامبيلا الاثيوبي، والعرض الذي تقدمت به شركة توتال الفرنسية للحكومة الأوغندية لبناء انبوب نفط يصل إلى السواحل الكينية، ليشمل نقل نفط جنوب السودان، أكبر التحديات التي تهدد احتكار اللاعب الصيني لنفط السودان وجيرانه من بعض الدول الأفريقية. الأمر الذي جعل صانع القرار في بكين يضع ثقله السياسي والدبلوماسي لحلحة الخلافات النفطية بين الخرطوم وجوبا، وتسوية ملف الحدود، ومنها منطقة ابيي النفطية، فقد أدت مخاوف بكين من السيناريو الأسوأ، أي تعطيل انسياب صادرات النفط، جعلتها ترسل مبعوثها الخاص بالشؤون الأفريقية إلى الخرطوم وجوبا، لتسوية خلافاتهما بشأن رسوم عبور النفط ومحاولة تلبية طلب الحكومة السودانية في الشمال والمتمثل في 32.2 دولار مقابل كل برميل نفط يمر عبر اراضيها، من خلال انبوب النفط الذي تتقاسمه الصين مع وجود خبراء وفنيين في مواقع النفط بدولة الجنوب.

الصراع الدولي على الموارد الأفريقية يشير إلى أن التنافس الأميركي الصيني سيكون هو الأصعب والأكثر شراسة وقوة ومرارة، لأنه ينطوي على عنصر النفط، الذي يشكل اهم الأوليات الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة الأميركية والصين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى