بكين ــ في كل عام وفي فترات تختلف من مقاطعة إلى أخرى تدوي صفارات الإنذار في الصين للتذكير بالغزو الياباني. إذ أنه ووفقا للتاريخ الذي احتلت فيه اليابان كل مدينة من المدن ترتفع أصوات الإنذار فيها. عموما فإنه وحتى اليوم لم يزل للمجتمع الصيني حساسية من اليابانيين، وذلك على الرغم من أنها قد لا تقال علنا وفقا للطريقة الصينية التي تسعى إلى تصفير الخلافات بشكل دائم بعيدا عن أي نوع من أنواع الاضطرابات.
هناك فكرة سائدة حتى بين المواطنين أنه لا بد من أن تترافق التنمية مع السلام والأمن، وهو ما نصّت عليه جميع المبادرات العالمية التي أطلقتها بكين في السنوات الأخيرة، بدءا من مبادرة التنمية العالمية وانتهاء بمبادرة الأمن العالمي، ولذلك غالبا ما يتم إظهار أنه يوجد نوع من الحساسية إلا أنها لن تؤثّر سلبا على العلاقات والتواصل كي لا تؤثّر على التنمية والأمن والسلام أيضا.
وعندما يُوجّه سؤال إلى أي صيني حول نظرته إلى اليابان لا بد من أن يقول إننا لن ننسى التاريخ والماضي ولكننا نسعى إلى التعامل مع الحاضر بطريقة جيدة ودبلوماسية.
تاريخيا انقسمت الصين أثناء مقاومتها للغزو الياباني إلى ثلاث مناطق: مناطق محررة تحت سيطرة الحكومة الثورية وكان يطلق عليها اسم الصين الحرة، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الشيوعين ويطلق عليها الصين الشيوعية، والمناطق التي تحتلها اليابان وكان يطلق عليها اسم الصين المحتلة. ووفقا لكتاب: “من روائع المسرح الصيني-المقهى” (كانت أنظمة الحكم في تلك المناطق يعادي كل منها الآخر، وقد عانت الصين الحرة أثناء الحرب من مشاكل اقتصادية واجتماعية رهيبة، وكانت المقاطعات الغربية تفتقر إلى الصناعات الحديثة وغير قادرة على مساندة وتدعيم القوات الضخمة، كما كانت الصين الحرة تغصّ باللاجئين، وبعض مدنها خربتها الحرب بصورة وحشية، وانتشر فيها الفساد والتضخم جراء نقص السلع الصناعية ونفقات الحرب الباهظة والإفلاس المالي للحكومة).
وهنا لا بد من ذكر رغبة الصين في التعلم من الغرب واليابان أيضا، فوفقا لما قاله الزعيم الصيني الراحل “ماوتسي تونغ” : “إن التحديث هو القادر وحده على إنقاذ البلاد، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التعلم من الدول الأجنبية ومن بينها الدول الرأسمالية الغربية التي حققت التقدم والنجاح، ولما أحرز اليابانيون نتائج جيدة بتعلمهم من الغرب، كان على الصينيين أيضا أن يتعلموا من اليابانيين”. وهو ما يعني أنه على الرغم من كل ما عانته الصين في الماضي إلا أن التعلم والتقدم كان رغبة قائمة وموجودة.
ولعلّ المناطق الغربية في الصين والتي تعرّضت للغزو الياباني وعانت خلاله من التأخر والتخلف هي خير مثال على تعلم الصين من الماضي ومن الآخرين أيضا للسير في طريق التحديث والنهوض، فعلى الرغم من أن التحديث في الصين قد بدأ في المقاطعات الشرقية والشرق، إلا أنه حاليا يتم التركيز على المقاطعات الغربية أيضا للنهوض بها، لا سيما وأن مبادرة الحزام والطريق تمر أيضا بتلك المقاطعات، ولذلك قد تم العمل على تهيئتها بشكل حثيث من أجل تحديثها بحيث تكون قادرة على استيعاب المخططات الاستراتيجية لتلك المبادرة. وهو ما يحمل رمزية بأن تلك المناطق التي تعرضت للغزو بشكل مكثّف..
وكانت مناطق متأخرة، باتت اليوم تتأهّل لاستقبال مخططات ومشاريع استراتيجية. من الكتب التي سلطت الضوء على التحديث الصيني النمط، هو “الزلزال الصيني” لمؤلفه “تشانغ وي وي” والذي هو باحث سياسي صيني معروف إذ ذكر أن هدف مدينة “تشونغشينغ” والتي هي مدينة كبرى في غرب الصين، والتي لم تكن تعد من المناطق المتطورة سابقا أن: ” تصبح بحلول عام 2020، المركز الاقتصادي والقطب التنموي الرئيسي للجزء الغربي من الصين، وذلك على الرغم من وجودها في الداخل أي أنها ليست مقاطعة ساحلية”. وهو ما يؤكد على فكرة التطور الذي يولد من رحم المعاناة، وبالفعل من يتبع حجم التطور في المقاطعات الغربية يدرك تماما أنها تتهيأ لمرحلة أفضل.
هكذا فعل الاحتلال الياباني في الصين، نقلها من حرب واستعمار وغزو إلى صفارات إنذار تُطلق بين الحين والآخر هو كتذكير للأجيال بأن الماضي كان صعبا، ولا بد من العمل باستمرار لتجاوز مختلف أنواع المصاعب. فالحروب والتخلف هما من العوامل المعيقة للأمم، ولن يكون التطور إلا بالقضاء عليهما. هي تماما فلسفة الصين بتحويل الكارثة إلى فرصة.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة