الضحك والنسيان

 

-1-

كان الخبر: اتفاق الطرفين اليمنيين على “تبادل ألف جثة من كل طرف” . ويبدو أن الصفقة لم تتم إذ شاغب عليها تحالف الأولويات: الأحياء أم الأموات. وتركزت المحادثات على الأقل ضرراً في ميزان القوى. الأموات هم أموات لا يذهبون إلى القبور بالدبابات. أما الأحياء… فمشكلتهم هي النجاة غير المتوقعة في معركة الأرحام والأوهام، فيعاد تدويرهم في المطحنة.

هذا اللعب بالجثث يشبه كل أنواع الاستهتار العربي.

-2-

أما المفاوضات، في سورية، حول 7 إخوة وأخوات من عائلة واحدة ماتوا بالغاز، فهي كيف يمكن الاتفاق على تسميتهم، وتصنيف نوع موتهم، ومن الذي أماتهم معاً على هذا النحو الذي لا يعرف العبث البشري كيف يؤرخ حزناً من هذه الفصيلة؟

ثمة أناس قتلهم البحث عن الغاز لتكتمل طبخة الحياة، أما في حالة السبعة هؤلاء فقد ماتوا من وفرة الغاز في جرتهم المعطوبة.

-3-

أما سائق التاكسي فقد شكا من شرطي مرور أوقفه وسأله هل في سيارتك زمّور؟ ودون تردد وباستغراب قال له: نعم فيها زمّور. قال الشرطي: زمّر…فزمّر، فكتبه مخالفة بسبب استخدام الزمّور في المنطقة الممنوعة من الساعة 5 مساءً إلى الساعة 5صباحاً.

-4-

كان الراكب قد نزل من السيارة وهو يضحك. فركب شخص آخر مهموم. والسائق يضحك. فتبادلا الحديث. روى السائق القصة، فردّ عليه الراكب المهموم بقصة من نوع قصيرة جدا: ابني عمره 19 سنة ووحيد ومعفى من العسكرية لأنه وحيد. ولكنهم استدعوني أنا ابن الأربعين إلى الاحتياط. فإلى من أوجّه الشتائم؟ قال السائق الضاحك: على الزواج طبعاً.

-5-

الضحك، في المفاصل المريضة من الأزمنة، دواء مجهول للمكونات. وفي الحروب الضحك أشبه بوضع السماعات في الأذنين تحت القصف، حيث تسمع نبل الموسيقى بدل طبل المدافع. وعندما تنتهي الحروب يبدأ الذهول. تبدأ المرايا تريك الوجوه. تبدأ الجثث تغادر مكان موتها لتعود إلى موطن حياتها، بمفاوضات بلا مفاوضات… كل شيء يتغير في الحروب. خذ هذه الجرعة من الضياع والذهول والتعثر.

الشاب ابن 19 قبض عليه الحاجز وساقه الى الجندية ، رغم ورقة الاعفاء التي يحملها،كوحيد ، وأخيراً تركوه، ووجهه أصفر، وقلبه لا يهدأ. وفجأة تأتيه رسالة من زوجته على الموبايل تكرر طلب الطلاق، ثم رسالة ثانية: ابنه عالق بمشاجرة مع أحد أولاد المسؤولين في المدرسة. ثم تتصل أمه لتقول المازوت انتهى مع  جرة الغاز، والكهرباء مقطوعة والبرد شديد.

وفجأة يستيقظ من الكابوس، يفرك عينيه ويصحو، فيتذكر أنه غير متزوج، وليس له أولاد والأم متوفاة من عشر سنين. ولكنه فجأة يتذكر أنه تأخر عن الوظيفة، فيلبس ثيابه، ولا يغسل وجهه وينزل قفزاً على الدرج. فيفاجأ بأن الشوارع خالية لأن اليوم جمعة، فيتذكر أنه ليس موظفاً أصلاً. يعود إلى البيت ليتوضأ ويلحق صلاة الجمعة. وهنا تبدأ علامات الضياع التامة بوصفها مرض يحتاج إلى الآلهة والأطباء لعلاجه… عندما يراه أخوه ويسأله:

“لوين رايح بهالوقت … يا جورج؟”

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى