نوافذ

الطريق الى…

الطريق الى…… أنا والكاتب حيدر حيدر “أصدقاء عمر”… كما يقولون في دفتر الحنين. عشنا معاً سنوات في جزيرة قبرص.

تعلمنا هناك صيد السمك، والصبر على الأيام التي تمرّ، دون أن ترفرف راياتنا التي حلمنا بها فوق زمن السعادة في الاوطان البعيدة. وهناك صدرت روايته ” وليمة لأعشاب البحر” وهي الرواية التي أقامت مصر ولم تقعدها لمدة عام كامل، وأهدر المتعصبون دمه. ولقد واجه حيدرتهديد حياته بشجاعة، وهويعيش في منعزل، وحده، على شاطئ  البحر في طرطوس (سورية) .

في اليوم الذي اشتعلت فيه معركة الكراهية والتكفير في مصر، قررت السفر من دمشق إلى طرطوس لمؤازرة صديقي. والاشتراك بخطة مواجهة هذه الحملة القاتلة. وصلت ليلاً، وعند مدخل حديقة البيت فوجئت بأحدهم يصوّب نحوي بندقية صيد ومصباحاً كهربائياً. ويصرخ ـ كالجندي في الخطوط الأمامية: قف. من أنت؟

ضحكت وقلت له أنا رفيق حيدر. وعندها قال بحزم: اثبت في مكانك. ونادى الدكتور مجد (الناشر المعروف ابن حيدر) الذي أدخلني إلى البيت، وصادف دخولي لحظة السؤال الأخير الذي طرحه صحفي تلفزيوني، وكان السؤال: ” استاذ حيدر…هل أنت ملحد؟

وفيما يستعد حيدر للإجابة، صرخت: “ستوب”.

فوجيء الصحفي وأجفل من تدخلي (وهو يعرفني). فقلت: “يا سيد علي هل تعتقد ان من المناسب في هذا الظرف، توجيه هذا السؤال لرجل أفتوا بقتله، الان، على خلفية تكفير بتفسير مفتعل، الان، لسطر في رواية منشورة منذ عشرين عاما؟

سكت الصحفي، وانتهت المقابلة.

مضى زمن، وكتب حيدر، بعدها، عدة روايات. وكلما التقينا نتذكر اتفاقنا ـ حين كنا معاً في جزيرة قبرص ـ بأن نكتب رواية مشتركة عنوانها (هو مضمونها) ” الطريق إلى عين البوم”،

التي لم يزرها إلا بعد أن جرت الكثير من الدماء، في الطريق إلى عين البوم… قريتي. والطريق إلى “حصين البحر”…قرية حيدر، والطريق الى سوريا …أحد أقدم اوطان البشرية والابجدية.

أمس الأول…مررت في الطريق إلى دمشق، بمنعزل حيدر. فأهديته روايتي الاخيرة “قطعة جحيم لهذه الجنة”:

“إلى الأبدي… حيدوره، الفهد، صديقي الجالس على فكرة الزمن.

وإلى أسمى (التي أحبها دون ريب)”.

وحين أراد إهدائي روايته الجديدة “مفقود” قال: أكتب أنت الإهداء وأنا أوقع، فكتبت:

ماتبقى من الوقت… يكفي لكتابة نص مشترك مقرر منذ ربع قرن، نختم به هذه المعركة الطاحنة التي خضناها…الحياة.

وكتب حيدر، أسفل الصفحة: مع الموافقة العميقة.

كانت أسمى (زوجته )تراقبنا بحب، ثم التمعت ستة عيون بنوع مضيء من الدموع.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى