تحليلات سياسية

العالم و كورونا : حرب كونية أم أنظمة الوحدانية، أم دخول العرب في معازل مقابر

 

رأى أنطونيو غوتيرش أن المعركة مع وباء كورونا ما هي إلا ( حرب كونية ) أما أدونيس فقد عده ( وباءً كونياً) سيغير صورة العالم، بينما راح سلمان رشدي يشرح كيف أن من يشعرون أن الخير سيخرج من هذا الرعب الكوني، وهم لا يخرجون عن كونهم يفكرون بعقل حالم (واهم) فهل بات تأثير كورونا على الإنسان لا يقتصر على تعطيل التنفس عند الإنسان بل صار يتمدد ليخنق أوضاعاً إقتصادية  وإجتماعية وسياسية ؟؟ و هل بدأت الإنسانية تفكر بتأثيرات هذا العدو الخطير المرعب ، و الذي يسببه فيروس يحتاج لمجهر متطور ليستطيع الإنسان تقدير حجمه ؟؟

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، الذي عدّ وباء كورونا ( حرباً كونية ) طالب العالم أن يعمل وفق ( إقتصاد حرب ) تتقاسم فيه الأمم الأعباء المترتبة عن هذا العدو و تتشارك الدول  في العمل لإنتاج ما يقوي الإنسانية و يستعيد عافيتها ، خاصة و أن إستمرار الوباء في أي بقعة هو تهديد للإنسانية جمعاء . كما دعي غوتيرش قبل أيام إلى فحص أسلحة الإنسانية ، وكيفية توزيعها وتنظيم إستخدامها في محاربة هذا العدو الذي يهدد الإنسانية جمعاء … فهل يتحد العالم فعلاً في وجه هذا العدو ؟؟ أم ستزداد الأنانية في ظل الخوف من الوباء و نقع فيما يسمى بـ ( عنصرية كورونا ) التي تحتكر فيها بعض البلاد اللقاح والدواء ؟؟ حرب كونية لا تواجه إلا بالتعاون الإنساني الحقيقي .

أدونيس رأى أن كورونا في إجتياحه للعالم  سينتج ظاهرتين أساسيتين : الأولى ( ضمور ظاهرة العرب )، والثانية ( تفكك أوروبا ) بفعل الفردانية البريطانية، مما يجعل أميركا المسيطرة بأسم الغرب الليبرالي، وهاتين الظاهرتين اللتين توقف عندهما أدونيس ذكر أنهما مترافقتان بـ ( صعود الصين وسقوط الوحدانيات ) … و في شرحه وجد المفكر السوري أن الذكاء الصناعي وضع الفكر الوحداني ( الغيبي ) في حرج  بإسقاطه رواية آدم و حواء . أما الإعتراف بـ ( حيوانية الإنسان ) … و خلص أدونيس من كل ذلك  إلى أن الوباء الفيروسي بدلا: من أن يوحد الإنسانية في مواجهته  صرنا نرى شعوباً تستغله لمعاقبة شعوب أخرى ، مما يجعل – حسب أدونيس – الأخلاق و القيم التي كانت ماء الحياة . أصبحت الماء الآسن . الباعث للمرض من الداخل الإنساني . و هكذا فالمشكلة في الإنسان ز. و مقابل كورونا , يرى أدونيس أن ( الليبرالية الجديدة ) ما هي إلا ( الوباء الكوني ) الذي تستعمله أميركا للسيطرة على العالم، وعلى العرب لتحويلهم إلى ( معازل مقابر) و تدعي محاولتها تمدينها بالديمقراطية .. لذلك فالعالم – حسب أدونيس – بعد كورونا . و مع الوباء الكوني ( الليبرالية الجديدة ) يتجه إلى حالة معازل مقابر لتعيش الشعوب حالة الموت ، وهي تبحث عن معاشها، مع إحفاق أنظمة الوحدانيات العربية في إنتاج أي تجربة مدنية ..

أما الكاتب الإشكالي، سلمان رشدي، فقد نشرت له الواشنطن بوست إفتتاحية  تلاحق فيها تمنيات الناس بأن ينتج كورونا بعض الخير بعدما سببه من رعب . و تحدث عن مشاعر الناس أن تكون محنة كورونا فرصة نتعلم منها دروساً فاضلة ونخرج من شرنقة الإغلاق كفراشات رائعة من العصر الجديد، ليخلق مجتمعات أكثر لطفاً و أقل جشعاً و أكثر حكمة من الناحية البيئية، و أقل عنصرية و رأسمالية و أكثر شمولية … و لكن رشدي نفسه يؤكد أن هذا فكر متوهم ، مع تأكيده على المصاعب التي تسبب بها الحكام الشعبويين أمثال جونسون و ترامب و ناريندار مودي في سياق إنتشار كورونا .. النتيجة حسب رشدي أن الإنسانية مازالت أسيرة حكام شعبويين، و عجز عن التعلم من الدروس ، و هذا حالها مع كورونا . . حتى رشدي يتهم الحكام بالمسؤولية بالتقصير و الإسهام بالكورونا ..

إذا كان فكر أدونيس، وملاحظات رشدي، مع الفارق في التقدير العربي ، تحاول الإحاطة التأملية الفلسفية بالوباء ، فإن طرح غوتيرش , بإعتبار كورونا حربا” كونية، على الجميع مراجعة أسلحته، و تنسيق علاقاته مع العالم ، و وضع مساهمته في إقتصاد الحرب كي تنتصر الإنسانية على الوباء . و رغم العلاجية المحددة المجدية في طرح غوتيرش، تبقى أراء أدونيس ، و رشدي إحدى محاولات تحفيز الفكر الإنساني للتفكير بصورة و معنى العالم ما بعد كورونا .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى