
منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية، لم يكن وقوفنا إلى جانبها نابعًا من انتماءٍ طائفي أو مصلحةٍ ضيّقة، بل من موقفٍ أخلاقي وإنساني لا يقبل المساومة. رفضنا الموت والظلم والقتل الذي طاول أبناء بلدنا دون تفريق، لأن الإنسان السوري، أيًّا كان دينه أو طائفته أو قوميته، لا يستحق سوى الحياة والكرامة والحرية.
لقد واجهنا آلة القتل والقمع لنظام ديكتاتوري همجي، لأننا آمنا أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن العدل لا يُطلب بالتمني، بل يُبنى بالتضحية والثبات على المبادئ. وعلى مدى أربعة عشر عامًا، لم نتغيّر. ما زلنا نرفض القتل، وندين العنف، ونرفض الطائفية، ونؤمن بأن الإنسانية لا تتجزأ، وأن من وقف ضد الظلم منذ البداية هو صاحب مبدأ لا يتلون، وإن تغيّرت الموازين أو تبدّلت القوى.
إن ما حدث في الساحل السوري من انتهاكات وعمليات انتقامية يذهب ضحيتها أطفالٌ ونساءٌ ومدنيون أبرياء، هو جريمة تُضاف إلى سجلّ آلام هذا الوطن، ويهدد بفتح أبواب الفتنة والدمار من جديد. ولا يجوز لأحد، تحت أي ذريعة، أن يُبرّر القتل أو يُبارك الانتقام خارج إطار القانون. فالعدالة لا تتحقق بالثأر، بل بالمحاسبة العادلة، والمحاكمات النزيهة، ضمن إطار قانوني شفاف، وتحت سقف الدولة.
إن أول وأهم مطالبة نرفعها اليوم إلى الحكومة السورية الجديدة هي التحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات، وإنهاء حالة الفلتان الأمني والأخلاقي، ووضع حدّ لأي سلاح خارج إطار الدولة. فاستمرار الانتقامات يهدد بنسف أي أمل في الاستقرار، ويُغرق البلاد مجددًا في بحر من الدماء لا يعلم مداه إلا الله.
نطالب بتطبيق العدالة الانتقالية، بمحاسبة الجناة وفق القانون، وبضبط الأمن من قبل المؤسسات الرسمية الوطنية، لا من قبل جماعات مسلحة أو مرتزقة غرباء لا يربطهم بالوطن إلا الخراب.
لا تسمحوا للحقد أن يُعمي القلوب، ولا تجعلوا الغضب يُنسيكم أن الله لا يُحب الظالمين، وأن الظلم لا يُداوى بظلم، بل يُقاوَم بالحق والعدل.
لنعمل جميعًا من أجل وطن يحتضن أبناءه، لا يُقصي أحدًا، ولا ينتقم من أحد، بل يُؤمن أن الإنسان هو القيمة الأعلى، وأن سوريا لا تُبنى إلا بالمحبة والعدالة والكرامة.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة