العرب منذ مئة عام (الياس سحّاب)

 

الياس سحّاب

في مثل هذا العام، قبل قرن كامل من الزمن، اندلعت نيران الحرب العالمية الاولى التي استمرت أربع سنوات كاملة، اعلنت عند توقفها النهاية المتأخرة للقرن التاسع عشر، والولادة المتأخرة للقرن العشرين.
وفي خضم هذه الحرب العالمية الاولى، ولدت الوثائق الاستعمارية الغربية (بريطانية ـ فرنسية)، التي حددت المعالم التفصيلية لاقاليم الوطن العربي، تحسبا لما تم بالفعل من انهيار كامل للامبراطورية العثمانية، ولكل الروابط القانونية التي كانت تربطها بأقاليم المنطقة العربية، وتحول القرن العشرون، خاصة في نصفه الاول، الى مساحة للتطبيق الكامل لاتفاقية سايكس – بيكو الاستعمارية، ولملحقها في الوثيقة الاخرى التي ظهرت وسط معارك الحرب العالمية الاولى، وعد بلفور.
واذا وقفنا الآن بعد مرور قرن كامل على هذه التحولات السياسية الهائلة التي اجتاحت وحولت معالم السياسة الدولية بالكامل، واجتاحت معها الخريطة السياسية لاقاليم المنطقة العربية، اذا وقفنا لنلقي نظرة طائر على هذا القرن الممتد من العام 1914 حتى العام 2014 الحالي، فان بامكاننا القول انه باستثناء عقدي الخمسينيات والستينيات اللذين شهدا نهاية الامبراطورية البريطانية والامبراطورية الفرنسية غرقا في مياه قناة السويس التي اممها جمال عبد الناصر، فان هذا القرن شهد استسلاما عربيا شاملا للمخططات الاستعمارية التي ولدت في خضم الحرب العالمية الاولى، وكأنه استسلام للقضاء والقدر الذي بلغ ذورته باغتصاب فلسطين في النصف الاول من القرن، وفي وضع الانظمة العربية والاوضاع العربية العامة الى التعايش مع النتائج العملية لهذا الاغتصاب. ولم تكن تلك علامات الاستسلام الوحيدة، بل ان التقسيم الاستعماري للاقاليم العربية، لم يتحول فقط الى حالة مرضى عنها ويتعايش معها كل العرب، بل تحول القرن على مداه حالة عربية خالصة من اعلاء الحواجز السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين اقاليم الوطن العربي، بل والتقاتل في الدفاع عن تلك الحدود الاستعمارية في اساسها، وكأنها قدس الاقداس.
ولو امعنا النظر في أعماق هذه الحالة المستعصية على الفهم احيانا، فاننا نرى ان تاريخ هذا القرن، انما هو تاريخ دخول اعداد هائلة من الافراد العرب في صميم عصور الحداثة بكل معانيها، لكن المجتمعات العربية بقيت بمجملها على عتبة هذه العصور الحديثة، لم تفهم روحها، ولم تستشعر متطلباتها.
ان نظرة اخرى نوجهها الى مجمل مساحة الاقاليم العربية، بعد مرور قرن على اندلاع الحرب العالمية الاولى، وانهيار الامبراطورية العثمانية، تؤكد لنا أننا امام مشهد تاريخي يكاد لا يتحرك عدا بعض الاستثناءات التي لم تكن كافية على ما يبدو لتخليص المصير العربي من الارادات الاستعمارية، ورسمه وفقا لمتطلبات الارادة العربية الشاملة.
ولعل عمومية المشهد الحالي، يمكن اختصارها في المصير البائس الذي تجد السلطة الفلسطينية نفسها اسيرة له، مصير المفاوضات التي تدخلها بلا اي مصدر للقوة، او حتى لرفض ما يمكن ان يفرض عليها من تسويات لا تؤدي الا الى تصفية القضية الفلسطينية.
مشهد عام آخر يختصر الحالة البائسة التي تقف عندها الامة العربية بعد مرور هذا القرن، هو رؤية ملايين من شباب المجتمعات العربية وليس لها من حلم بالمستقبل الا بالهجرة الى اي بقعة في العالم، ومنها رحاب الدول التي ساهمت في ان ترسم لنا هذا المصير البائس، حتى كأنه كتب على الفرد العربي، اذا اراد فعلا دخول العصر الحديث، ان يهاجر خارج المجتمعات العربية.
وكلما اقتربت الذكرى المئوية الاولى لوثيقة سايكس – بيكو الاولى، تندلع امامنا صور متعددة في عدد من ارجاء الوطن العربي يطلق عليها اسم سايكس – بيكو الثانية، بالتزامن مع خطوات توحي باحتمال تصفية القضية الفلسطينية.
هذا هو الواقع العربي الحالي الذي لا يبشر الا بالاسوأ، اذا لم تبادر المجتمعات العربية الشابة الى اطلاق بدايات ملامح نهضة عربية تدخلنا اعماق العصر الحديث كمجتمعات وليس كافراد فقط.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى