العرب وأسطورة القوة الأميركية!

يدرك كثير من العرب أن أجزاء مهمة من عالمهم تبدو في مسار الخروج عن السيطرة. لكن ما لا يفهمه كثير منهم هو السبب وراء غياب الدور الأميركي أو ضعف تأثيره. ويعزى ذلك، على وجه الدقة، إلى تشبث بعضهم بأساطير الحكمة والقوة الأميركية. ومن ثم فهم يعتقدون أن الحالة الراهنة أمر متعمّد.

ولعل استمرار مثل هذا الفهم ناتجاً عن مشاعر ضعف تقترن بقبول أسس الرواية الأميركية. فنحن الأميركيون نَصف أنفسنا في العادة بالـ «حالة استثنائية» و «الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها»، ونتفاخر دوماً بخروجنا منتصرين من حربين عالميتين، وبالتغلب على الاتحاد السوفياتي لنبقى القوة العظمى الوحيدة. ونحن نتفاخر أيضاً بأننا أول من أرسل الإنسان إلى القمر، وبالتطورات التي حققناها في مجالات الطب والتكنولوجيا التي استفادت منها البشرية بأسرها.

وفي ضوء قبول بعض العرب تصورنا لأنفسنا على هذه الشاكلة، يتساءلون: إذا كان بمقدور الولايات المتحدة فعل ذلك كله، فلماذا تسمح بأن تكون لإيران اليد الطولى في العراق؟ ولماذا أجازت استمرار سفك الدماء في سوريا طوال هذه المدة؟ وكيف باركت إطاحة الديكتاتور الليبي، ثم تركت الدولة هناك للحرب الأهلية؟ ولماذا تُواصل السماح لإسرائيل بإحكام قبضتها على الفلسطينيين؟

ويضيف هذا كله كثيراً من الالتباس إلى المشهد المرتبك أصلاً. وقد استنتج كثير من العرب أنه إذا تفككت المنطقة، فإن المستفيدين هم «المارقون»، بينما تغض أميركا الطرف، ومن ثم فإن صناع السياسات الأميركية، إما انهم وراء ما يحدث، أو أنهم سعداء به لأنهم يخدم مصالحهم.

وقد سمعت تعليقات بعض العرب الذين زعموا أن الحرب الأميركية على العراق، بغض النظر عن فشلها، قد حققت هدفها الاستراتيجي. وطبقاً لهذه الرؤية، فإن الغرض من تلك الحرب كان التخلص من صدام حسين لا إرساء دعائم دولة ديموقراطية تقدمية، إضافة إلى تحرير الجن الإيراني من قمقمه. ولعل ذلك هو ما حدث حقيقة. إلا أني لا أعتقد للحظة أن أي شخص في إدارة بوش كان ذكياً بالقدر الكافي ليفكر وينفذ ذلك السيناريو الشديد التعقيد. ولكن لأن هذه التفسيرات الخيالية تبدو منطقية في ظل الفوضى، فإنها تجد من يصدقها.

على أن أميركا في الحقيقة ليست دائماً ذكية وقوية. وهذا ما يؤكده تفسير السلوك المتهور لإدارة بوش. دعونا نتذكر ما زعمه مخططو حرب بوش بأن العراق سيكون «لقمة سائغة»، وأننا سننتصر في غضون ثلاثة أسابيع، وأننا لن نحتاج لإبقاء قوات هناك لأكثر من ستة أشهر، وبتكلفة لا تزيد على ملياري دولار، وأننا سنلقى ترحيب الفاتحين، وأن الديموقراطية التي ستولد ستكون شعلة مضيئة في المنطقة، وأن القيادة العالمية الأميركية ستترسخ طوال القرن الحادي والعشرين.

من الضروري أن يدرك القادة العرب أن عليهم الإمساك بزمام المبادرة وبناء قوة عسكرية تجهز على تنظيم «داعش». كما أن عليهم الاستثمار في إعادة بناء اقتصادات المنطقة، واستخدام نفوذهم السياسي في حل الصراعات. وحين يحصل التحول من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على النفس، يحق لهم الإصرار على نيل دعم الولايات المتحدة كدولة حليفة، لا كمنقذة تمسك وحدها بأوراق القوة كافة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى