كتاب الموقعنوافذ

الغربة هي الشيخوخة

علق الشاعر شوقي بغدادي على النص التالي أدناه قائلاً:

“هذا الحنين يا عادل هو بداية الشعور بالشيخوخة ..أهلاً وسهلاً بك معي فيها”.

النص :

“أحنّ إلى أماكن الصبا..

إلى حدائق تلك الأيام وبراري تلك الأيام.

أحنّ إلى أصدقاء، وأيام الجامعة، والتسكع وفضول اكتشاف الأشياء.

أحنّ إلى الرغبات التي تفضح نوايا الجسد، ثم تمضي إلى فتنة الكلمات.

أحنّ إلى البنات اللواتي شكلّن علم جمال الأنوثة ونحن في مقتبل الهوى.

أحنّ إلى مسقط رأس الفكرة الأولى، والكتاب الأول، والبيت المستأجر

الأول.

أحنّ إلى كل البيوت التي علّقت على مسامير جدرانها قمصاني وحزني.

إلى حي الفحامة، والسبع بحرات، والقصاع، والملك العادل، ومساكن برزة،

والقابون.

أنا لست منفياً، ولا مهجّراً، ولا مغترباً…

فلماذا، إذن،

“كل هذا الحنين، وأنا في قلب أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ؟

………………………….

كتبت للأستاذ شوقي هذه الجملة : “يا شوقي العزيز… أصبت وأصبتني. أنا قادم إليك”.

ولكن، في الحقيقة، ما أردت قوله هو المضمون العميق لهذه الجملة القديمة “الفقر في الوطن غربة” أو شريكتها في المعنى “فقد الأحبة غربة” وربما يكون المقصود… إن الماضي أفضل من الحاضر… وإن الحاضر هو مسودة المستقبل.

الشيخوخة بالمعنى المباشر هي التقدم في السن. ولكنها بالمعنى التراجيدي هي فقدان الدور، الرغبات، فقدان القدرة على الإنجاز، الهبوط المؤسف وانهيار ما حولنا. وأعتقد أن الغربة في قلب الوطن هي، على نحو أكيد، تقتضي إعادة تعريف للمكان، وإعادة تعيين للمسافة الذكية بين المكان كإقامة ، والوطن كفكرة.

لقد هدأ صوت المدافع، علامة على هدنة أو انتهاء المعارك، ولكن الحرب لم تنته. لأن أسبابها ما تزال،وقد أضيف إليها واقع الركام الذي من المستحيل إخفاء ما يعنيه الركام، الحطام، وخراب المدن .

إن الهدوء لا يعني السكينة، وتوقف الحرب لا يعني السلام.. وأعتقد أن هذه الكلمة المسكينة هي مفتاح لم يستخدم أبداً في باب المجتمع السوري، الدولة السورية، القانون السوري، والحلم السوري.

كان عدد سكان سورية 4 ملايين عام 1963موزعين على مساحة كبيرة نسبياً… فجاء من يقول: إننا نخوض وسنخوض الصراع الطبقي.

صراع طبقي؟
وإننا سنفرز المجتمع إلى فئتين:

الأولى فيها: العمال والفلاحون والجنود والمثقفون الثوريون، والفئة الثانية كل ما عدا ذلك… ثمة هامشيون وكسالى، وأولاد الوقت الضائع، ومن لا يريد أن يُعرّف أو يصنف ،حسب مسطرة الصراع الطبقي. فماذا نفعل بهم؟ في الحقيقة لقد فُعِلَ بالجميع، ولم ينج أحد من هذا التقسيم الكراهياتي  المتعمد للمجتمع السوري البسيط. ذلك ان الاعتراف بفردانية الذات الإنسانية لم يزر أياً من دساتير الوطن العربي، دساتير…..”الرعية والراعي”.

لا أريد أن أدّعي أن لي دوراً في إعادة إعمار سورية ولكن، إذا كان ما نراه، هو الدولة الجديدة الحديثة بعد الحرب…. فإن الخراب هو الهندسة الفراغية الوحيدة التي ستعيد إنتاج حرب أخرى… وهذه المرة بنجاح أكبر لفريق الإسلام الأصولي المسلح الناجز والاكثر داعشية !

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى