نوافذ

الفراغ

مقبل الميلع

سان فرانسيسكو ــ لم تكن حياة أبو نادر مملة رتيبة قبل إحالته إلى التقاعد، فقد كان يعمل أمينا للصندوق في البنك التجاري يشغل نهاره بعد النقود وخدمة الزبائن وكان الوقت يمر سريعا لانشغاله بعمله ورؤية الناس والحديث معهم.

في يومه الأول تمطى على الأريكة وأخذ نفسا عميقا، وقال بنفسه :

لقد حان وقت الراحة .. خمس وثلاثون عاما في نفس الوظيفة.. لقد كان رب الأسرة الذي ينفق عليها وقد علم أولاده أفضل تعليم وكلهم تزوجوا وسكنوا بعيدا عنه .

مر الأسبوع الأول فشعر أنه نال كفايته من الراحة ، كانت زوجته منشغلة دائما في الأعمال المنزلية وهو يمضي جُلّ وقته في غرفة الاستقبال وكان يخرج أحيانا الى الشرفة، لكنه سرعان ما كان يعود للجلوس في المكان الذي اعتاد الاسترخاء فيه  حتى ملت الأريكة منه..

كان يشاهد التلفاز باستمرار ويستمع إلى نشرات الأخبار التي لم تنقل سوى أخبار الحروب والزلازل، فتترك في نفسه حزنا وقلقا أصابه بالتوتر فأصبح عصبيا يرد على زوجته بعصبية تعكس نفسيته تأففاً من الحياة بشكل دائم ..

صار الوقت يمر بطيئا، وصار النهار طويلا، وكان وقت الفراغ في الماضي للراحة واستعادة الطاقة وقضاء ساعات مع العائلة واللعب مع الأحفاد.

كل هذا كان يمده بالثقة ويعطيه نوعاً من التفاؤل والسعادة أما الآن، فهو يشعر بوحدة قاتلة. ليس لديه ما يفعله، وليس لديه أي برنامج للقضاء على الفراغ وتنظيمه بممارسة أية هواية أو الاستفادة من القراءة والمطالعة أو ممارسة رياضة معينة..

كانت علاقاته الاجتماعية محدودة لكن الإنسان لا يستطيع العيش  في الفراغ من دون التفاعل مع الآخرين، فالفراغ سلاح ذو حدين، إما أن يتحول إلى حالة سلبية كالتعب والتوتر والإحباط، وهي حالة قد تتسبب بالاكتئاب وعدم السعادة، وقد انتبهت الدول المتقدمة إلى هذه الظاهرة فشرعت ببرامج لتنظيم الوقت وإدارة الفراغ من خلال النشاطات الاجتماعية والسياحية بالتعرف على أماكن جديدة .

لاحظت أثر الفراغ على اللاجئين في أوروبا، فالغالبية تمضي معظم وقتها بالدردشة على وسائل التواصل الاجتماعي، كذلك تبادر إلى الاشتراك  في بث ليس ذا محتوى.

ليتهم يقضون نصف وقتهم في تعلم لغة البلد التي لجأوا إليها، فتفيدهم بالعثور على عمل، وللتخلص من سلبيات الفراغ على الفرد أن يشغل نفسه بأمور نافعة فهناك ارتباط وثيق بين قيمة الوقت والفراغ الذي قد يتسبب بحساسية مفرطة من قلق وتوتر أو الذهاب للاستمتاع بالحياة، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى