كثيرون يعرفون الفنان الكبير دريد لحام كنجم في الكوميديا السورية التي زرعت بذورها في الستينات في القرن الماضي بواسطة التلفزيون الذي كان دخل حديثا إلى بلادنا خلال الوحدة مع مصر (1958 ــ 1961).
وفي حقيقة الأمر، لم تكن مواهب الأستاذ دريد محصورة في هذا الجانب فقط، بل تعددت وفتحت آفاقها مع أول تعاون له مع التلفزيون العربي السوري في الستينات.
وعندما دعاه الأستاذ صباح قباني للمشاركة في الأعمال التلفزيونية مع نشوء التلفزيون ، اعتذر لأنه كان أستاذا جامعيا (يدرس الكيمياء)، وكان عليه أن يختار، فاختار الفن، وترك الأستذة الجامعية لغيره، لكنه ظل أستاذا في صروح الفنون السورية التي انبثقت في التلفزيون.
ومع ظهوره في تمثيلية الإجازة السعيدة وفي شخصية كارلوس عازف الجيتار المكسيكي الذي يغني بالإسبانية والعربية، والأعمال الأولى المتتالية التي سحرت المشاهدين ونقلت اللهجة السورية إلى العالم العربي، كان على الفنان دريد لحام أن يشق طرقا أخرى رديفة لعمله الفني، ولم يكن هذا سهل التنفيذ لو لم يكن هذا الفنان واسع المواهب صبورا ودؤوبا ومثابرا..
أسس فرقة الإذاعة والتلفزيون الفنية، وكانت تؤدي الرقصات الشعبية، واستخدم مواهبها في المسرح في اسكتشات رائعة أحبها الناس ، كما هو الحال في مسرحية غربة. ومن هذه الفرقة تخرج كثيرون كالفنان حسام الدين تحسين بك وجميل العبد ومحمد الشيخ نجيب ..
كما أسس مهرجان الأغنية السورية مع المخرج الراحل جميل ولاية وعمل على توثيق العديد من المصنفات الفنية، وظل مهرجان الأغنية يقدم دوراته سنة بعد سنة إلى أن قامت الحرب في سورية عام 2011 .
ودريد لحام يعتبر في تاريخ صناعة الدراما السورية من أوائل كتاب السيناريو مع خلدون المالح ونهاد قلعي، وكما هو معروف عانى النص السوري كثيرا على صعيد محترفي كتابة السيناريو، وعندما استقطب أكبر كاتب ساخر في سورية الشاعر محمد الماغوط، أنتج معه خيرة الأعمال الكوميدية المبهرة في نقدها المجتمعي.
وعلى صعيد الإخراج كان مخرجا مميزا ينتقي الأعمال التي تحتاج إلى رؤية خاصة، ويقوم بإخراجها، وعندما يتولى غيره العمل الإخراجي يقف أمام المخرجين باحترام.
أي أن الفنان الكبير دريد لحام لم يترك جانبا من العمل الفني لم يعمل به : مسرح سينما تلفزيون رقص تلحين غناء، إلا وأبدع فيه، وظل حتى بعد أن تجاوز الثمانين يؤدي الأدوار في الأفلام السينمائية والمسلسلات ولو بحصة قليلة ، أي أنه لم يتأفف أو ينقطع عن العمل.
وفي أيام الحرب على سورية ، كان الفنانون يرفضون الظهور التلفزيوني في المناسبات ، ولم يفعل دريد لحام ذلك وكان يُستضاف في مختلف البرامج من دون تلكؤ.
لقد احتفل الفنان الكبير دريد لحام بعيد ميلاده التسعين من دون ضجيج، لكن التسعين سنة التي عاشها حتى الآن كانت غنية، ويكفي أنها أسعدتنا !
بوابة الشرق الأوسط الجديدة