القطط عادة ما تحب خنّاقيها

” القط يحب خنّاقه ” كما يقول المثل العامي. وغالبية شعوبنا التي حكمتها أنظمة تصف نفسها بالجمهورية على وجه التحديد، أدمنت حكم الدكتاتوريات بدرجات متفاوتة خصوصا العسكرية منها حتى صار من العسير أن تتخلى عنها بسرعة، وتسير بسلاسة في اتجاه حكم تعددي يحترم إرادة الفرد ويعمل على رفاهيته والارتقاء بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

أمر طبيعي أن يبكي المنتفعون والانتهازيون والمستضعفون والخانعون أولياء نعمتهم ويحنون إلى أزمنة الأحضان الدافئة وأنظمة الفساد التي توزع الحصص والامتيازات على قدر الموالاة والتفاني في خدمتها.

الطيور التي ولدت في الأقفاص لا تتعلم الطيران بسهولة، إنها اعتادت على الأمان الكاذب والرفاهية المزيفة، ولا تعلم أنها أسيرة ورهينة لمالكيها ومختطفيها. ولا تدرك هذه الطيور الخارجة لتوها أن الأقفاص قد تحمي من القطط والجوارح لكنها لا تؤمّن لها الكرامة وما قيمة الحياة دون كرامة؟

انتشار التطرف والإرهاب بعد ثورات الربيع العربي وخلع وسقوط ومقتل رؤساء عرب، لا يعني أن هذه الأنظمة كانت تقف بالمرصاد في وجه هذه الآفات، بل بالعكس، إذ تبين أن أنظمة كانت حليفة مع هؤلاء وتتعامل معها خفية لأجل مصالح متبادلة كما أن التطرف كان موجودا لكنها كان مختفيا في غياب الحريات كما هو الحال في ليبيا وتونس وغيرهما.

التعاطف الإنساني مع الرؤساء المقتولين لا يعفيهم من مسؤولياتهم في دفع الأمور نحو الأسوأ حتى أوصلتهم عنجهيتهم إلى هذه النهايات المهينة، فلماذا لا نجد هذه النهايات المشينة لدى الحكام الغربيين في الأنظمة الديمقراطية؟ ولماذا مازالت تعاد سيناريوهات نهايات هتلر وموسوليني وتشاوشسكو وبينوشيه، عند العرب دون غيرهم؟

إنها حتمية نهاية الديكتاتوريات وفق منطق وجدلية التاريخ، ولا بد من المرور بهذه المرحلة وتحمل الفترات الانتقالية التي لا بد منها كي نقطع نحو الضفة الأخرى التي تمثل التعددية والحياة السياسية الصحية كما فعلت شعوب غربية كثيرة.

نظرة سريعة إلى سياسات الرؤساء العرب المقتولين، تكشف لنا عن حتمية هذه النهايات دون اللجوء إلى مشاعر التشفي، فمن لم يمت بمكائد النظام الإيراني ومؤامراته مات بغيرها كالعقيد القذافي الذي انحاز لإيران في حربها ضد العراق، وساعدها بالأسلحة ونصح العرب في قمم كثيرة بعدم معاداة إيران رغم أن الخميني قد رفض استقباله مهنئا بنجاح ما يعرف بالثورة الإسلامية.

وعلي عبدالله صالح لقى حتفه على يد حلفائه الحوثيين، الذراع العسكرية لإيران في اليمن، واضطربت تركيبة المجتمع ونشأت في خلال حكم الرئيس الصالح طبقات مختلفة بفعل غياب القانون واستبداله بالعادات والأعراف القبلية.

وأصبح من النادر جداً تنفيذ القصاص في القاتل بسبب الفساد المستشري في القضاء الذي يقف من وراءه التدخلات المستمرة من قبل أركان الحكم في اليمن وأصبح القضاة قبل أن يصدرون أي حكم شرعي في قضية ما يستفسرون عن أقارب المتهم وماهيتهم، وفي عهد الرئيس علي عبدالله صالح أيضا تفاقمت ظاهرة الثأر رغم الوعود الرنانه التي أطلقها الرئيس الصالح من أجل القضاء عليها في أكثر من مناسبة، لكن ينقص تلك الوعود الجدية والحزم والقرارات الجادة، وفي عهد الرئيس الصالح انتشرت ظاهرة حمل السلاح بين المواطنين وأصبح معدل امتلاك الفرد في اليمن للسلاح ما يساوي ثلاث قطع بينها الرشاشات والقذائف وصواريخ أرض أرض.

واختفى القانون من الحياة اليومية وصار الغني يقتات من مال الفقير والقوي يأكل الضعيف وصار الحال في المجتمع اليمني كحال الغابة لا رادع فيها لأي ممارسات وأبرزها السطو المنظم على أراضي المواطنين.

الثقافة العربية السائدة تشخصن الدولة، وتذيب وتدغم مؤسساتها في شخص الرئيس، وبناء على ذلك تصبح الدولة كائنا يرضى ويغضب ويتعارك وينتقم ويهرب ويلقى عليه القبض ويعدم أو يقتل فيصبح الشعب من بعده دون دولة.. يا لبؤس هذه الثقافة وفقرها أمام الأمم ذات التقاليد العريقة في فصل السلطات وسيادة القانون وتحييد الدولة.

الشعوب التي تبكي الدكتاتور وتندبه، هي في الواقع شعوب تبحث عن دكتاتور بديل، تحني له ظهورها وتمنحه حناجرها وترخي رقابها لأنها تعلمت العيش جاثمة على ركبها. فلا خير في شعوب تمنح مصيرها ومستقبل أبنائها لشخص معتوه يمارس عليها عقده ويحكمها برابط شبه مقدس ثم يموت أو يقتل فيبكيه الجميع بحرقة كما في حال نظام كوريا الشمالية مثلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى