الكاتب الفلسطيني محمد عادل : ينام ، ولايحكي ، يحس بنا ولا نحس به !
عام 1980 تعرفتُ على الكاتب الفلسطيني محمد عادل (أبو عادل)، دخلت إلى مكتبه في الفاكهاني في بيروت، وقد فُرزتُ للعمل في المجلة التي يرأس تحريرها ويسعى إلى تطويرها، بعد لقاء مطول مع الدكتور سمير غوشة رحمه الله.
كان في مكتبه شاب هادئ يشرب الشاي، ولا يحكي أبدا، وعرفت فيما بعد أنه الفنان ناجي العلي، اشتغلت مع (أبو عادل) قرابة عام من الزمن، ولم يتدخل في النصوص التي أكتبها، لا السياسية، ولا الأدبية، ولا التغطيات الإخبارية، بل كان يدفعها للنشر مباشرة، وطلب مني بعد عدة شهور أن أكتب العنوان الرئيسي للغلاف والعناوين الفرعية، ثم قرر أن يخصص لي زاوية اقترحتها عليه ، وكنت أذيلها بتوقيع حرف واحد من اسمي هو (عين) .
الزاوية لاقت رواجا منذ نشرت لأول مرة، لأن (أبو عادل) قال لناجي العلي إن كل زاوية ستتم مرافقتها بلوحة كاريكاتير من لوحاته ، وقرأ ناجي الزاوية، ولم يحك. حرّك حاجبيه موافقاً، وكانت الفكرة تزدهر، وكان القراء يسألون : من هو (عين) .
أكثر من مرة، جلستُ مع ناجي العلي، ولم يكن يحكي إلا عندما أسأله، وأكثر من مرة جلست مع محمد عادل في جلسات خاصة، وكان يحكي الكثير دون أن أسأله.
كان منتمياً إلى فلسطين تماما كما هو الكاهن المنتمي إلى المعبد، وكنا نتحاور عن فلسطين وأشكال النضال الفلسطيني، وعن الصحافة والصحافة الفلسطينية ، إلى أن اختلفنا، وغابت لقاءاتنا قرابة ربع قرن من الزمن، وفي اللحظة نفسها التي شاهدني فيها أثنى علي، وقبل سنوات قال للدكتور حسن حميد إن (عماد ندّاف) صاحب تجربة نعتز بها، وهو وفيّ لفلسطين، ونادر في كتاباته .
أسعدتني شهادته ، وعدنا أصدقاء على وسائل التواصل، وعندما عرفت أنه يسكن في المنطقة أسكن فيها دعوته إلى بيتي، فاعتذر، أخبرته أنني أحتفظ بكل أعداد تلك السنة من المجلة التي كانت تصدر في بيروت، فكان سعيداً دمثا في رده .
قرأتُ له الكثير مما كتبه على صفحته، فإذا هو نفسه ابن الثمانينيات حماسة، لكنه كان كمن يغني في الطاحون، فلا العرب عرب ولا الواقع الفلسطيني يبشر بالخير، وذات مرة ، قلت في نفسي: ” لو كنت مكانه لانكفأت وتوقفت عن الصراخ!
قبل أسابيع، اتصل بي الناقد الفلسطيني أحمد هلال ، وأخبرني أن أبا عادل، في المشفى (أمية) ، فطلبت أن نزوره معا، فردّ أنه في غيبوبة، وأنه سينقل إلى الأردن، فحزنت لأن هذا يعني أن وضعه الصحي صعب. وقال أحمد : إن أبا عادل لايحكي، ولكنه يحس عندما تلمس يده ، وأن الأطباء يبذلون جهداً كبيراً لإنقاذه !
تذكرت ناجي العلي، كان يحسّ ولا يحكي، وكأن هذا هو قدر الفلسطيني، عليه أن لايحكي، فهو ممنوع من الكلام، مسموح له أن يعاني، مسموح له أن يكبت كل شيء، وينتظر..
توفي الكاتب الكبير خالد أبو خالد الذي جعلني أتعلق بكل شيء عن فلسطيني، ولم أقم بزيارته في مرضه، واستشهد ناجي العلي، وهو لا يفرط بإحساسه، أما (أبو عادل) ، فهو يقارع المرض بصعوبة، ويفعل الفعل نفسه الذي قدره الله على الفلسطينيين، أي أن لا يفرطوا بإحساسهم، لعل الزمن القادم يأتي بمفاجأة ما، بمعجزة ما، تعيد فلسطين إلى الواجهة !
سلامتك يا محمد عادل !