الكاتب والسلطان .. من الفقيه إلى المثقف

يتناول كتاب”الكاتب والسلطان” التساؤلات التي طرحت مجددا حول دور المثقف العربي في الحياة العامة والحياة السياسية في المجتمعات العربية، وذلك في ضوء التطورات التي شهدها عدد من الدول العربية منذ بداية عام 2011، وهي التطورات التي تمثلت في ثورات عربية في أكثر من بلد عربي عرفت باسم الربيع العربي.

ويبني المؤلف د. خالد زيادة فكرته العامة في الكتاب على أساس أن أحداث الربيع العربي، وما رافقها ونتج عنها من تغييرات لحقت ببنية السلطة في عدد من الدول العربية على أساس أن كل هذه التطورات والتغيرات لم تحدث فجأة بدون سابق إنذار، كما أن هذه الأحداث لم تخلُ من تأثير مارسه الكاتب سواء قبلها أو خلال وقوعها أو بعدها، سواء هذا الكاتب كان رجل دين أو داعية أو مثقف عضوي مرتبط بجذور المجتمع.

وعلى الرغم من العنوان العام للكتاب الذي استخدمه المؤلف بعنوان “الكاتب والسلطان”، لكن المؤلف يقصر كتابه حول (الكاتب – الفقيه) أو (الكاتب – عالم الدين)، حيث يتناول الكتاب علاقة ما يسميه المؤلف بـ (أجهزة الفقهاء) وكتاب الديوان مع السلطة، ويؤكد المؤلف خلال صفحات كتابه أن هذه العلاقة تتفاوت بتبدل الظروف السياسية والتغير في شكل الدولة في المنطقة العربية على مدار التاريخ الحديث، لكن في كل الأحوال ظلت هذه العلاقة قائمة وراسخة.

ويشير الكتاب إلى أن المرحلة التي بدأت مع مطلع القرن التاسع عشر قد شهدت تراجع دور رجال الدين أو من كانوا يسمون في هذا الوقت بـ (كتاب الديوان) خلال هذه الفترة الزمنية المفصلية في تاريخ هذه المنطقة من العالم، وهي الفترة الزمنية التي شهدت محاولات لتحديث بنية المجتمع والدولة في المنطقة العربية، حيث شهدت هذه الفترة تراجع دور المؤسسة الدينية وتفكك وظيفة كاتب الديوان، وهي وظيفة كان يشغلها غالبا أحد رجال الدين، في مواجهة دور جديد لشخصية ظهرت خلال هذه الفترة من التحديث، وهي شخصية المثقف المتنور النهضوي، الذي ورث مهنة الكاتب في ديوان السلطان أو الحاكم أو الوالي، وانتزع تدريجيا مهام وأجزاء من وظيفة الفقيه أو رجل الدين التقليدي، وخاصة فيما يتعلق بوظائف القضاء والتعليم، بل أكثر من ذلك أن تطور الظروف والأحداث دفعت بالسلطة في العالم العربي، لأن تدفع بالمثقف في دائرة صناعة السلطة سواء بزعم المساهمة بتحديث المجتمع، أو لإضفاء شرعية على السياسات التي تفرضها السلطة على المجتمع التقليدي الذي كان من المتوقع أن يقاوم هذه السياسات التي كانت غريبة عليه في وقتها، خاصة فيما يتعلق ببلورة مفهوم الدولة والوطن.

لكن على صعيد آخر فإن د. خالد زيادة يشير إلى أن هذا الدور الذي كان منوطا بـ (الكاتب) تغير في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، وحيث يذهب المؤلف إلى أن العالم العربي بعد هذه الثورات سوف يحتاج سنوات طويلة لاستكمال التحولات التي بدأت فيه، بل إن المؤلف توقع أن الكاتب أو المثقف سوف يدخل في مجابهة لم نعهدها من قبل مع (السلطان) من أجل أن نرى (الكاتب) أو المثقف الأفكار التي يؤمن بأنها صحيحة وقد تم تطبيقها على أرض الواقع لبناء الدولة العصرية الحديثة.

لكن المفارقة التي يبرزها المؤلف هي أن وظيفة (الكاتب) في ديوان الخليفة أو السلطان أو الأمير في المجتمعات العربية، ظل لفترة طويلة حكرا على أفراد من غير العرب، واحتفظ غير العرب بمكانتهم في ديوان السلطان على مدار أجيال طويلة، كما يكشف عن مفارقة أخرى، وهي أن كاتب الديوان في كل عصور خلفاء الأمويين ومن بعدهم العباسيين حرصوا على أن تكون كتابتهم، أو ما عرف بالإنشاء بلغة تختلف عن لغة الخطاب الديني، بل غلب على لغتهم كتابة فنية لها لغتها التي تتميز عن اللغة الدينية الصرفة.

• ديوان السلطان

ويعرض المؤلف إلى قواعد كانت تحكم اختيار وعمل العاملين بوظيفة الكاتب في ديوان السلطان، حيث كان يطلق على هذه المهنة اسم (صناعة الإنشاء)، وحيث تصف المصادر التاريخية حول هذا الخصوص من يعمل في وظيفة الكاتب بديوان السلطان بأن بهم ”ينتظم الملك وتستقيم للملوك أمورهم، وبتدبيرهم وسياستهم يصلح الله سلطان ويجتمع فيئهم وتعمر بلادهم، ولا يستغني عنهم أحد”.

كما تذكر المصادر التاريخية العلوم الأساسية التي من الضروري على الكاتب الذي يعمل في (صناعة الإنشاء) أن يكون ملما بها، فهي التي تظهر في مجموعة من النصائح التي يقدمها أحد كبار الكتاب لغيره من العاملين في هذه المهنة، وهذه النصائح كما وردت في المصادر التاريخية تشمل: “تفقهوا في الدين، وابدأو بعلم كتاب الله عز وجل، وارووا الأشعار، وأعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، ولا تضيعوا النظر في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج”.

ومن أهم ما لفت إليه المؤلف هو حدوث ما يمكن تسميته بالانفصال، ومن أهم ما لفت إليه المؤلف هو حدوث ما يمكن تسميته بالانفصال الديوانية المختلفة مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتشعب عملها والفروع التابعة لها، وهو ما أدى فعليا إلى أن يحدث انقسام بين الأجهزة الشرعية الممثلة بعلماء الدين وفقهاء الشريعة والمحدثين من ناحية، وبين الأجهزة الديوانية التي كانت تمثل مركز الثقل في الحكم ونفوذ الدولة من ناحية أخرى.

وهذا الانقسام نتج عنه لاحقا نشوء نظامين معرفيين يتصارع كل منهما مع الآخر، خاصة مع الصعود الواضح في فترة الدولة العباسية لما اصطلح على تسميته بحقل الدراسات العربية والأدبية، وهو الحقل الذي شهد حراكا شديدا مع تفضيل من يعملون في دواوين السلطة الكتابة باللغة الفارسية بدلا من اللغة العربية، وهو ما أدى إلى أن يندفع طلاب علم الفقه والحديث وباقي فروع العلوم الشرعية لتعلم المزيد من العلوم اللغوية كرد فعل على ما اعتبروه تحيزا للغة والثقافة الفارسية على حساب اللغة والثقافة العربية بشكل عام.

يشار إلى أن كتاب “الكاتب والسلطان” لمؤلفه خالد زيادة، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو312 صفحة من القطع المتوسط. (خدمة وكالة الصحافة العربية).

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى