الكتاب في خطر
الكتاب في خطر… تتوالى معارض الكتاب في الوطن العربي ، و هي الفرصة شبه الوحيدة لإقتناء الكتب الصعبة أو الممنوعة نسبيا ، وتتابع إصدارات دور النشر، غير أن الكتاب العربي مايزال مكبلاً بقيود كثيرة بعضها بسبب إرتفاع ثمنه أو تشديد أجهزة الرقابة عليه وبعضها يعود إلى منافسة أساليب الثقافة البصرية الحديثة والطاغية كالتلفزيون وأجهزة الكمبيوتر الكبيرة والصغيرة المحمولة. غير أن السبب الأساسي في إعتقادنا يعود إلى طغيان النمط الإستهلاكي في نظام حياتنا وعجز الإنسان المعاصرعن مواكبة إيقاع العيش اليومي المتسارع مما يجعل الكتاب هدفاً ثانوياً لا يفكر فيه المتعبون أو المأخوذون بالدعاية للبضاعة الجذابة الذين لا يفكرون بإقتناء الكتب جدياً فإذا ما غامروا باقتناء الكتاب ودفعوا ثمنه الباهظ فأغلب الظن أنهم يتفاخرون بوضعه على رف المكتبة – إذا ما كان هناك أصلاً مكتبة في الدار أو يكتفي بتصفح الكتاب و تركه على طاولة منسية في ركن مهجور في المنزل.
يبقى إقتناء الكتب بالرغم من كل هذه المخاطربالنسبة لي و لأمثالي رفيقاً مفيداً جذاباً أكثر مما تجود به الحضارة الحديثة المتسارعة في التغيير والتطور الآلي ويظل الكتاب الورقي الصديق الوفي صحبته ولعل ألطف وأجمل ما قيل في موضوع هذا الكتاب ما قاله الكاتب المبدع العريق “الجاحظ ” في مقاله الوسيع عن الكتاب والذي نأخذ منه هذا المقطع المناسب لهذا المقام :
(( الكتاب وعاء مليء علماً، وظَرْفٌ وحشي ظرْفاً، وإناء شحن مزحاً و جدا ، إن شئت كان أبين من سحبان وائل وإن شئت أعيي من باقل، و إن شئت ضحكت من نوادره ، وإن شئت عجبت من غرائب فرائده وإن شئت ألهتك طرائفه وإن شئت أشجتك مواعظه ومن لك بواعظ مله وبزاجر مغر وبناسك فاتك وناطق أخرس… والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك و شحذ طباعك ، وبسط لسانك وجود بيانك وفخم ألفاظك وعمر صدرك ومنحك تعظيم العوام و صداقة الملوك وعرفت به في شهرما لاتعرفه من أفواه الرجال في دهر …))
إن الكتاب الجيد ليس مجرد جهاز لحفظ الثقافة من الضياع بل هو في حد ذاته رمز عريق في القدم للإنسان المثقف وفي البيت للأسرة المثقفة كلها ، والكتاب جهاز لا يتوقف عطاؤه لأسباب إنقطاع الكهرباء أو شحن الأجهزة الألية مثلا بسبب هذا الإنقطاع أو بسبب فساد طارئ على أجهزة الكمبيوتر والإنترنت بعكس الكتاب الورقي الذي لا يتوقف عطاؤه إلا بفقدانه أو بكارثة كبرى كالحريق أو البلل الشديد والمديد وهي أضرار تصيب جميع أجهزة الثقافة …بلى هذا هو الكتاب الرفيق الشخصي الحي الذي يرافقك أكثر من غيره و أسهل إستخداماً من أية آلة.