الكذب… ستراتيجية الإخوان! (فريدة النقاش)

 

فريدة النقاش

  

لا أعرف بالضبط من أين جاء المهووسون جنسياً والممسوسون دينياً بالأفكار التي يروجونها عن الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، أو عن الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء أو عن كل المواثيق الدولية التي تحصن الحقوق والحريات الأساسية للبشر كافة. وإمعاناً في الكذب والتزوير يلف هؤلاء المزيفون أنفسهم في ملاءة دينية مهترئة تعلمت جماهير غفيرة من تجربتها مع الإسلام السياسي كيف تنزع هذا الغطاء عنهم بحثاً عن الحقيقة، وإلى أن تصل هذه الجماهير للحقيقة سوف تعاني كثيرا ، فالألم كان دائما صنواً للمعرفة.
في لقاء تليفزيوني قبل ما يزيد على العامين واجهت مع الزميلة «عزة كامل» أحد قادة الجماعات الإسلامية الذي كان يساريا في السابق، وكان الحوار حول مضمون الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، حينها قال الرجل إن الوثيقة تدافع عن الشذوذ، وإن من كتبنها هن مجموعة من السحاقيات، وحين طلبنا إليه أن يبين لنا تلك المادة في الاتفاقية التي تنص على ذلك سكت تماما ولم يرد، لأنه لم يكن يستطيع أن يرد وإن واصل الهجوم على فكرة المعايير الدولية من الأساس بدعوى أنها مستوردة من الغرب العلماني المعادي للدين، والكاره للدين الإسلامي على نحو خاص.
كان المفكر الذي انتقل لأسباب لم يقلها من شاطئ إلى شاطئ آخر وهو في الغالب الأعم كان قد اختار الالتحاق بالرائج ، كان يمارس بمنتهى الجرأة الستراتيجية الثابتة لكل جماعات الإسلام السياسي وهي الكذب الممنهج والإمعان فيه ،عارفين جيدا أن الإلحاح على الكذب يحول الأكذوبة مع الوقت إلى حقيقة. فليس كل من يتابع أجهزة الإعلام وحوارات المثقفين مدققا بهذه الطريقة التي تفتقر إلى الحس الأخلاقي والحس الديني الحقيقي الذي يحض على الأمانة والصدق نجح الإسلام السياسي في تشويه صورة المواثيق الدولية والقيم العليا التي تحملها هذه المواثيق وقد استمدتها من القيم العليا في ثقافات وديانات وفلسفات كل الشعوب.
وأخيرا صدرت وثيقة الأمم المتحدة عن الدورة السابعة والخمسين للجنة وضع المرأة التي كان موضوعها مناهضة العنف ضد النساء والفتيات، وذلك بعد صراع طويل ،إذ تحالفت سبع عشرة دولة معظمها من الدول الإسلامية بينها مصر وإيران والجزائر جنبا إلى جنب الفاتيكان لكي تمنع صدور الوثيقة. وحتى بعد أن صدرت بشكل توافقي تنازل فيه الطرفان المتنازعان عن بعض المطالب، مؤكدة «أن العنف ضد النساء والبنات لا يمكن تبريره بعادات أو تقاليد أو اعتبارات دينية»، وحتى تكسب رضا الإخوان الذين تفننوا في عرقلة مهمتها أضافت «ميرفت التلاوي» رئيسة وفد مصر ورئيسة المجلس القومي للمرأة.
إن كل دولة سوف تطبق بنود الوثيقة طبقا لشرائعها وأعراضها ومراعاة للتقاليد الخاصة بكل مجتمع وكأنها تعود بالمعايير الدولية القهقرى وتفرغ الوثيقة من مضمونها ، إذ يبرر كثيرون الاغتصاب في إطار الزواج، وضرب الزوجات، وتزويج القاصرات تبريرا دينيا وشرعيا، وكل أشكالها من العنف بل والاتجار بالبشر طبقا للمواثيق الدولية، أي أن الإسلام السياسي يواصل ستراتيجية الكذب حتى على الله.
ومما يؤكد هذه النية لاستخدام التفسير الشرعي الرجعي من قبل جماعة الإخوان الحاكمة، وعلى لسان الدكتورة «صباح السقاري» أمينة المرأة بحزب الحرية والعدالة أن موافقة المجلس القومي للمرأة على الوثيقة يعد إهانة للمرأة المصرية بالإضافة إلى مخالفتها للشريعة الإسلامية. وأشارت إلى أن الأخوات سينظمن حملات مضادة لتلك الوثيقة» وعلى النساء أن ينتظرن فصلا جديدا من الصراع من أجل حقوقهن.
إن إخضاع نصف المجتمع باسم الدين هو أيضا ستراتيجية تقوم على الكذب على المجتمع وعلى النساء أنفسهن، حين يختار الإسلام السياسي من القراءات المختلفة للنص الديني قراءة رجعية منافية للعقل وتخاصم التاريخ والتقدم ويحتشد شيوخهم ووسائل إعلامهم لإقناع الناس بأن هذه هي القراءة الوحيدة الصحيحة وما دونها هو كفر بالله. ويغذون بذلك شعورا وقناعة لدى النساء بأن هذه هي المكانة التي اختارها الله سبحانه لهن، ومن ثم فإن مسيرة تحرر المرأة وتحريرها هي مسألة غربية مستوردة لأنها ضد ديننا.
وفكرة الاستيراد هي آلية معتمدة لدى الإسلام السياسي لخداع الجماهير والكذب عليها.
وأعود إلى ذلك المفكر الذي انتقل من موقع اليسار إلى رواج الإسلام السياسي بثرائه وشعبيته حين استشهدت في الجدال معه بالدور الذي لعبه مفكر العقلانية الإسلامية «ابن رشد» في خروج أوروبا من عصور الظلام إلى عصر النهضة، والذي كان بدوره أي ابن رشد قد نهل من نبع الفلسفة الإغريقية ، وسألته هل كان الأمر في الحالتين استيرادا أم تفاعلا بين الثقافات والحضارات والديانات، وهو نفسه التفاعل الذي تنهض عليه مواثيق الأمم المتحدة واتفاقياتها ومعاييرها العالمية المستمدة من كل الثقافات والحضارات والديانات ، لكن الكذب داء لن يعالجه إلا الوعي المتزايد للجماهير العريضة لا فحسب بحقوقها وإنما أيضا بحقيقة أن الله واحد والإنسان واحد.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى