اللغة العربية …..الحسناء و الوحش ..عندما سافر أول عربي، بقصد التجارة، الى بلاد الفرس أعجب هناك بمنظر المساحات الواسعة مزروعة بأشجار الفاكهة، و عندما سأل: ما هذا؟ أجابه مضيفه الفارسي: هذا بوس ستان! و “بوس” تعني ثمرة بينما “ستان” تعني محل بالفارسية، وهكذا فإن بوس ستان هو محل الثمار.
عاد ذلك العربي الى موطنه في شبه الجزيرة العربية و أخذ يحدث أهله عن طرائف ما رآه في بلاد فارس و عن “البساتين” الغنـّاء و كيف أن الكثيرين من الفرس يمارسون “البستنه”. لم يكلف الاعرابي نفسه عناء تعريب كلمة بوستان و انما نقلها كما هي و من حسن حظنا أنه لم يكن في ذلك الزمان مجمع للغة العربية و الا لكنـّا الآن بدل بستان نقول مثمار أو مفكاه أو فاكوه أو غيرها من النوادر التي يتحفنا بها مجمع اللغة من حين لآخر.
الله، سبحانه و تعالى، عندما أوحى بالقرآن لنبيه محمد (ص) لم يجد حرجاً من استخدام العديد من الكلمات الاعجمية فهو (= الله) يقسم بالقلم و القلم كلمة اغريقية تعني القصبة مشطوفة إحدى نهايتيها تستخدم للكتابة، كما و تصادف في القرآن كلمات مثل السندس و الاستبرق و غيرها كثير من الكلمات الأجنبية.
تفيد احصائية أجريت في روسيا مؤخراً أن ثمانية كلمات أجنبية، وسطياً، تدخل اللغة الروسية يومياً و خاصة في مجالي الميديا و الكومبيوتر، و تصدر الموسوعة الروسية “قاموس الكلمات الاجنبية” الذي تعاد طباعته كل بضعة سنوات و نقرأ في توطئة المؤلفين أن القاموس يضم أكثر من ثمانية و ثلاثين ألف كلمة أجنبية منها مئات الكلمات مستقاة من العربية مثل صندوق و خنجر و غيرها و الروس يفتخرون بهذا و يعتبرونه مؤشراً الى أن اللغة الروسية حيـّة و قادرة على استيعاب الكلمات الدخيلة و التفاعل مع ثقافات الأمم الأخرى؛ و الامريكان بدورهم لم يجدوا حرجاً عندما أخذوا من الروس، عدوهم التقليدي، كلمة “الانتلجنسيا” و كما فعل الروس فقد أخذ الأميركان عن العرب كلمة “انتفاضة” و في أثناء هذا لم يساور الاميركان أي قلق من الغزو الثقافي الروسي أو العربي. لغتنا العربية هذه الحسناء فائقة الجمال حوّلها المسؤولون عنها الى “مخلوق فرانكشتاين” و حجتهم في ذلك محاربة الغزو الثقافي الأجنبي و الحفاظ على “عفاف” لغتنا.
أبو جاسم يبيع الخضروات في حيـّنا و عندما طلبت منه ثلاثة كيلوغرامات من البازلاء سألني: أو تريدها للطبخ أم للتفريز؟ فسألته: ما معنى تفريز؟ فأجابني: يعني هل تريد “المدام” طبخها اليوم أم تريد حفظها في الفريزر؟؛ أدركت من حديث أبي جاسم أنه لا يتابع دوريات مجمع اللغة هذا المجمع الذي استنفر لابتكار تعريب لكلمة كومبيوتر و أتصور أن هذا الأمر قد استغرق بضع سنوات و اقتضى تشكيل أكثر من لجنة عقدت مئات الاجتماعات و أجرت عشرات الاتصالات مع مجمع اللغة في القاهرة و مجمع اللغة في عمان إلى أن توصل الجميع إلى أن كلمة الكومبيوتر يقابلها بالعربية – حاسوب!
عصام، صديق لي، يحمل شهادة الدكتوراة في الهندسة الالكترونية و يدرّس المادة في الجامعة. عصام هذا قدّم للتدقيق مخطوطة كتاب يعتزم نشره و في مكان ما من المخطوطة ارتكب صديقي جناية إذ كتب: و يعتبر الترانزيستور قلب الالكترونيات المعاصرة. أعيدت المخطوطة الى المؤلف مرافقة بملاحظة المدقق: أن فعل (اعتبر) خاص بلفظ الجلالة فهو (= الله) حصراً الوحيد المعتبر و لايجوز اعتبار ما عداه و طلب المدقق من المؤلف الاستعاضة عن كلمة يعتبر بأي كلمة أخرى تؤدي الغرض! و في هذا السياق فقد ألزم فطاحل اللغة الملوك العرب على تغيير ألقابهم بهدف حذف كلمة “جلالة” كون هذه الكلمة يجب أن تستخدم حصراً لله سبحانه و تعالى و هكذا أصبح جلالة ملك الأردن – العاهل الأردني و جلالة ملك السعودية – خادم الحرمين الشريفين!
حبذا لو أن القائمين على رعاية اللغة العربية بذلوا جهداً أكبر في سبيل إعادة النظر بطرائق تعليم اللغة في المدارس، فكاتب هذه السطور يحمل شهادة الماجستير في هندسة الأكوستيك، ولدت في سورية العربية و تعلمت العربية على أصولها في مدارس عربية حكومية إثنا عشر عاماً و مع ذلك أجد نفسي عاجزاً عن كتابة رسالة بالعربي الى اختي في مصر!و أنا واثق أن هذا النص مليء بالاخطاء النحوية كما و لا استبعد وجود عشرات الاخطاء في الاملاء!
أنعم الله على الانسان بجهاز محكم للنطق مؤلف، بتبسيط شديد، من الرئتين و الحبال الصوتية و اللسان و الشفتين، وجهاز النطق عند العرب ليس أقل تطوراً من نظيره عند الامم الأخرى و بالتالي فإن العربي قادر بسهولة على لفظ كلمات تبدأ بحرف ساكن مثل ستيريو و لكن القواعد الخشبية تلزمنا أن نلفظها إستيريو.
الهاتف هو شخص تسمع صوته و لاتراه (نتذكر أحمد شوقي : من الهاتف الداعي؟….أقيس أرى؟…) فلماذا لم نستخدم التلفون للدلالة على الجهاز الذي يستخدمه الهاتف و لماذا لا يحق لنا أن نقول: تلفن يتلفن أي يجري اتصالاً تلفونياً. إن استخدام الكلمات الاجنبية ليس فذلكة و لا استسلاماً أمام الغزو الثقافي الغربي بل تعبير عن قبولنا بتمازج الحضارات و تصريح بأننا لسنا أمة متقوقعة على نفسها.
أنا أحلم أن يعلـّمنا القائمون على لغتنا كيف نكتب و نلفظ كلمة مثل فييتنام و هل نكتب كونغو أم كونجو أم كونكو؟ أنا أحلم أن يسمحوا لنا أن نقدّم الفاعل على الفعل و أن يرفعوا الحظر عن إلتقاء الساكنين، و باختصار أنا أريدهم أن يتعلموا من أبي جاسم ففي النهاية قاعدتان تبقيان على رأس قواعد كل اللغات : خطأ شائع خير من صواب ممجوج، و ما اتفقت عليه الجماعة فهو صواب.