المؤسسة الأنغلو-أميركية: صفقات من وراء الحرب العالمية الأولى!

 

ثمة حقيقة مقبولة على نحو عام تقول: إن الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب؛ وللمشككين في ذلك نسألهم: ما سبب حجب وثائق عن الحرب العالمية الأولى بعد مرور أكثر من قرن من الزمن على انتهائها؟ السبب، أنها تكذِّب ما يعدّ حالياً حقائق لا شكّ فيها! دعونا بداية ترك المنبر لقول بطل الحرب الميجور جنرال في المارينز سمدلي بتلر الحائز وسام الشرف للكونغرس عامي 1914 و1919؛ ووسام الخدمة المتميزة عام 1919، في حرب اللصوص كما وصفها لينين، في رسالة مفتوحة إلى قائده في 6 تموز (يوليو) 1917: «الحرب ابتزاز. لقد كانت كذلك دائماً. ربما تكون أقدم طريقة، والأكثر ربحية بسهولة، وبالتأكيد الأكثر شراسة. إنها الوحيدة دولياً التي يتم فيها حساب الأرباح بالدولار والخسائر بالأرواح. فقط مجموعة صغيرة «من الداخل» تعرف هدفها وهي تجرى لصالح القلة القليلة، على حساب كثيرين. بعد الحرب فئة قليلة من الناس تحقق الثروة. في الحرب العالمية [الأولى] حصل عدد قليل فقط على أرباح من الصراع، صنعت ما لا يقل عن 21000 من أصحاب الملايين والمليارديرات الجدد في الولايات المتحدة. اعترف كثيرون بمكاسبهم الضخمة من الاستثمار في الدم في عائدات ضريبة الدخل. كم عدد مليونيرات الحرب الآخرين زوّروا عائداتهم الضريبية التي لا يعرفها أحد».

والأمر نفسه ردّده بطل الحرب والشاعر الكابتن سيغفريد ساسون في رسالة إلى قادته تاريخها 6 تموز 1917 قال فيها: «لم يعد بإمكاني أن أكون طرفاً في إطالة هذه المعاناة للغايات التي أؤمن بأنها آثمة وظالمة».

الكاتبان جيم ماكريغور وغيري دوشيرتي تشاركا في إنجاز «إدامة العذاب: كيف أدامت المؤسسة الأنغلو-أميركية الحرب العالمية الأولى 42 شهراً» (trine day 2018). جيم ماكريغور الذي نشأ في مستشفى لمعاقي الحرب في اسكتلندا، يقول إن محادثاته مع أولئك الضحايا أثارت لديه اهتماماً بالحرب وضحاياها. أما غيري دوشيرتي، فهو ناظر سابق كتب مؤلفات عن تاريخ اسكتلندا وأوروبا، إضافة إلى العديد من المقالات عن الحرب العالمية الأولى. نحن نعرض هنا مؤلفاً موسوعياً صفحاته تعدّ بالمئات ويعتمد على مراجع أولية كثيرة. الناظر السابق وأستاذ التاريخ عجب من إطالة فترة الحرب فأخذ يبحث، مع شريكه في المؤلف، عن أسباب الاستطالة فيها التي قادت إلى سقوط المزيد من ملايين الضحايا. بحثا في القوى الخفية والمحرك الحقيقي للحرب وتبيّن لهما أن الشرح الوحيد يكمن في الأرباح الهائلة التي راكمها الرأسماليون خلال فترات المعارك. فعلى سبيل المثال، يشير الكتاب إلى حقائق لا يمكن دحضها ومنها كيفية وصول القطن الأميركي المسمى Nitrocellulose (Cellulosenitrat) إلى ألمانيا رغم الحظر المفترض، وأسباب ترك أفران صهر الحديد الخام والفحم الفرنسية في منطقة Bassin de Briey للألمان من دون قتال التي أضحت في ما بعد أساس المواد الخام للتصنيع الحربي هناك، ولم تُبذل أي محاولة لاستعادتها، مع أن القوات الفرنسية كانت على بعد 5 كم منها فقط. وكذلك دوافع استمرار وصول النفط والفحم المستخرج من مناطق تحت السيطرة الإنكليزية أو الفرنسية إلى ألمانيا في أي وقت خلال الحرب التي كانت مشروعاً تجارياً، وتم السداد في ألمانيا بطريق «قروض الحرب» (Kriegskredite) وفي بريطانيا عبر «قانون العملات وأوراق النقد» (Currency and Bank Notes Act) مع التوسع الشديد في المعروض النقدي غير المضمون.

هدف الحرب إلحاق الدمار بالعدو إلى درجة لا يمكن بعدها أن يشكل أي تهديد. تأكدت الدائرة الداخلية البريطانية من وصول المواد الخام والمواد الغذائية إلى الألمان من خلال البلدان المحايدة وعبر بلجيكا أيضاً وإبقاء روسيا على نحو مخادع في الحرب من خلال وعدها بإطلالة على البحر الأبيض المتوسط، ثم إطلاق غزو غليبولي (المخطط له أن يفشل)، ومن ثم حرمان روسيا من الأسلحة لدعم هجومها المخطط عام 1917، وكذلك التخلص من اللورد كِتشنر الشهير المدافع عن سلام سريع وعادل عبر إرساله إلى روسيا في طراد يعمل على الفحم عفا عليه الزمن مصدره منجم فحم عفا عليه الزمن أيضاً، وتأخير المساعدة للسفينة الغارقة Lusitania التي كان على متنها.

أهمية إضافية للمؤلف الذي يضم 32 فصلاً أنه يخصص أجزاء عدة لفضح أهداف تصريح بلفور الصادر عام 1917 بعيداً من «وكلاء الذاكرة المعتمدين» وفق تعبير المؤرخ الإشكنازي شلومو ساند الذي رفض في مؤلفاته المهمّة حقاً مصطلحات من ضرب «الشعب اليهودي» و«أرض الأجداد» و«المنفى» و«الشتات» و«أرض إسرائيل» و«أرض الفداء»، وزميله أديا هورون الذي نفى حصول نفي على أيدي الرومان [بما يلغي أسس مقولة «العودة»] الذي عممه اللاهوت المسيحي الذي اجترح مصطلح يهود أصلاً، بهدف تأكيد عقاب السماء لهم وصحة الديانة المسيحية الناشئة؛ وهل ننسى مؤرخاً من وزن إيلان بَابِيه الذي قدّم خدمات عِلمية وأكاديمية وتاريخية لقضيتنا الأولى تتجاوز إنتاجات جماعات رام الله بملايين السنين الضوئية، وكذلك آرثر كستنر صاحب مؤلف «القبيلة الثالثة عشرة» الذي بيّن أن الإشكناز، وهم غالبية يهود العالم والقسم الأكبر من مستعمري فلسطين، ما هم سوى أحفاد القبائل البربرية في أواسط آسيا التي اعتنقت اليهودية وهاجرت إلى روسيا وبولونيا وغيرهما من أراضي دول بحر البلطيق. وبالتالي فإن قسماً من أهل فلسطين، العرب، ما هم سوى أحفاد «اليهود» الذين اعتنقوا الإسلام عبر القرون، وهذا كله وفق عالم الجينوم الإسرائيلي إلهان الحايك الذي خدم في جيش العدو. يوضح الكتاب أسباب استخدام الصهاينة السياسيين والنخبة السرية والحلفاء، بعضهم البعض بنجاح للمساعدة في المضي قدماً في جداول أعمالهم. مؤلف مهم للغاية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى