«المتحرّش الصغير العنيف الصفيق»

كشف جديد وتطور غريب طرأ على عالم التحرش في مصر، وقد ظهر جلياً واضحاً في عطلة عيد الفطر. «أبطاله» أطفال ومراهقون وصبية في عمر البراءة، سلاحهم ألفاظ خارجة وعبارات جنسية فجة وأدواتهم عنف بالغ. وغاياتهم غير محددة، لكن مصائرهم معروفة. أنشطة عطلة العيد كشفت عن جيل جديد من المتحرّشين الصغار، لا يأبهون بأمن، ولا يعيرون اهتماماً لحق النساء والفتيات في مكان آمن، ويعتبرون التحرّش حقاً بديهياً، ومن تعترضهم إما قليلات الأدب أو عديمات التربية أو لا يحق لهن النزول إلى الشارع، إلا إذا ارتضين الرضوخ لرغبات المتحرّش سواء بالسمع أو تلقّي اللمسات من دون اعتراض.

وقد رصدت مبادرة «شفت تحرش» تطوراً نوعياً في الظاهرة الآخذة في التوغل منذ سنوات، ما ينم عن أبعاد اجتماعية ونفسية وتربوية خطرة. فالملاحظ في هذا الإطار أن سن المتحرّش آخذ في التراجع، وأخلاقه آخذة في التدنّي، وقلق النساء من التواجد في الشوارع وحدهن، لا سيما في الأماكن غير المزدحمة آخذ في الارتفاع.

وبحسب تقارير المبادرة، تراجعت وقائع التحرّش الجسدي، واختفت وقائعه الجسدية، وتصدّر التحرّش اللفظي المشهد باستخدام عبارات وجمل ذات طابع جنسي ووصف تفصيلي للأعضاء التناسلية لأجساد النساء.

وعلى رغم خلو الشوارع نسبياً من المارة، حيث يبدو أن المصريين إما سافروا إلى المصايف عقب انتهاء شهر رمضان، أو فضّلوا التزام البيوت أو الاكتفاء بالزيارات العائلية تحسّباً لعمليات إرهابية، إلا أن الشوارع لم تخلُ من التحرّش. وكالعادة تركّزت أنشطته وسط القاهرة، سواء في الشوارع أو كورنيش نهر النيل وكوبري قصر النيل الشهير، وهي المناطق التي تشهد الكم العددي الأكبر لوقائع هذه الظاهرة التي تستهدف النساء والفتيات عموماً على منذ نحو عقد من الزمن.

متطوعو المبادرة رصدوا استمرار وتيرة التحرّش اللفظي واستخدام عبارات جنسية «تصوّب» نحو الفتيات، بلغت مستويات لا سابق لها بحيث يصعب حصرها لفرط كثرتها على المشاع. ويبدو أن الفتيات والنساء أصبحن على دراية كاملة بأن الأعياد صارت مناسبات للتحرّش، فلوحظ تراجع كبير في أعداد الفتيات اللاتي يتجوّلن بمفردهن، مقارنة بأعداد النساء والفتيات المتواجدات في صحبة ذويهن من الذكور.

الذكور الأصغر سناً، وتحديداً الصبية والمراهقون، أصبحوا اللاعبين الرئيسيين، وهم لا يمارسون أفعالهم بالاعتماد على الكرّ والفرّ، حيث التحرّش بالنساء والفتيات، ثم الهرب أو إنكار التهمة في حال تمت مواجهتهم بها من قبل متطوعي المبادرة أو حتى رجال الأمن. لكنهم باتوا أعنف من ذي قبل، فظهر بينهم اتجاه واضح للتعامل بحدة وشدة مع متطوعي المبادرة. وعلى رغم استمرار ميل الفتيات المُتحرش بهن إلى عدم الإبلاغ أو الاستعانة برجال الأمن (الذين لم يكونوا موجودين أصلاً باستثناء أعداد قليلة جداً من ضباط وجنود تواروا مع حلول المغرب)، إلا أن فريق المبادرة نجح في مساعدة إحدى المُتحرش بهن من تحرير محضر، وكان لافتاً إنها صممت على ذلك.

وبعيداً من تقديم شكاوى والتواجد الأمني، تبقى الظاهرة الأوضح الجديرة بالبحث والتدخّل السريع قبل أن تتفاقم هي سن المتحرّش التي تتراوح بين 9 و10 سنين، والتي كانت تُعد حتى أعوام قليلة سن الطفولة البريئة والألعاب الطفولية منزوعة الإسقاطات الجنسية.

وإذا أضيف إلى ذلك ردّ فعل الصبية أنفسهم الذين لا تصدر عنهم كلمات اعتذار أو تظهر عليهم إمارات ندم أو خوف، بل يميلون إلى العنف والحدّة، فإن الوضع يكون بالغ الخطورة. أحد خيوط فهم ما طرأ على هذه الفئة العمرية يمكن التقاطه من الساحة الفنية والدرامية التي نضحت أخيراً بكم هائل من البذاءات والكلمات الخارجة، التي لم يكن أحد يجرؤ على التفوّه بها حتى أشهر قليلة مضت. هذه الأعمال الدرامية والفنية التي تعرض على مدار الساعة على الفضائيات وقنوات التلفزيون الرسمية والخاصة متاحة للأطفال والمراهقين من دون ضابط أو رابط. وفي انتظار تقارير التحرّش المتوقعة في عيد الأضحى المبارك، قد يجد الأهل ما يدعو إلى إيلاء مزيد من الاهتمام والرعاية للصغير قبل أن يتحوّل إلى «متحرّش صغير عنيف صفيق».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى