شرفاتكتاب الموقع

المذكرات : في الطريق إلى صحافة لبنان …

صحافة لبنان :

جاءت الفكرة، ونحن نحاول صناعة حلم من أحلام الشباب، وكانت المقاومة واحداً من أحلامنا، وهذا طبيعي، لأن المقاومة ظهرت تباعا بعد الهزيمة، فالجيوش انكسرت في مصر وسورية والأردن، وصنعت هزيمة حزيران عام 1967 أفقا آخر للعرب. وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أول المحبطين، فقد قدم استقالته بوجه مكفهر معلناً أنه يتحمل المسؤولية، وسمعتُ نحيب أبي وهو يبكي وينصت إلى كلمة الاستقالة من أكبر زعيم عربي في ذلك الوقت، ورأيت بأم عيني النازحين يتدفقون على دمشق قادمين من القنيطرة والجولان، ثم رأيتهم يستلمون المعونات، ثم يبيعونها ليعيشوا!

وبعد سنوات قليلة توفي عبد الناصر في أيلول 1970 ، وكانت الحرب الأهلية في الأردن قد اشتعل أوارها في أصعب لحظات يعيشها النظام العربي الرسمي في صدام مع المقاومة التي شعر العرب أنها الحل، واُخرٍجتْ المقاومة من الأردن بعد اتفاقية القاهرة وانسحبت فلول المقاومة من أحراش جرش وعجلون، فمرت في سورية، وهي طريقها إلى لبنان حيث ستقع الكارثة الكبرى!

على هذا الأساس تحولت بيروت إلى عاصمة للمقاومة، وتدفق المال على المقاومة، فكل يدعيّ وصلاً بليلى، فتغيّرت هوية هذه العاصمة العربية من بلد للسياحة والتسوق إلى بلد للصدامات الساخنة ، وما أن انتهت حرب تشرين عام 1973، وقد اشتعل بصيص من الأمل ثم انطفأ ، حتى تم تفجير القنبلة الموقوتة في لبنان عام 1975، واندلعت الحرب الأهلية بين المقاومة والحركة الوطنية المؤيدة لها في طرف والقوى اللبنانية التي كانت تتهم بالانعزالية في طرف آخر!

أي كان هناك محنة عربية كبرى تولدت واتسعت في العشر سنوات التالية لهزيمة حزيران ، وتحديدا بين عامي 1967 و1975، وأسفرت هذه المحنة عن تفاصيل ينبغي التوقف عندها اليوم بعد زمن طويل من الانهيارات العربية التي نعيش إحدى مراحلها مع هذه الأيام.

كان الفكر العربي كله في أزمة، الفكر القومي كان مهزوماً لأنه كان في السلطة ممثلا بتيارات اجتاحت الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وكانت فلسطين أم الدنيا بالنسبة لنا، وعبارة القضية المركزية في القضايا العربية ثيمة السياسة العربية التي تدعي أنها قادرة على الانتقال إلى مرحلة مابعد الهزيمة.

والفرق بين اللحظة التي وقعت فيها الهزيمة، وانطلاق المقاومة هو مساحة من الحركة السياسية والفكرية، ورغم أن حركة فتح انطلقت قبل ذلك إلا أن الجبهات توالدت واختلفت وفرّخت بعد الهزيمة، وكان منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (الحكيم : جورج حبش) وهي من أصول قومية عربية، والجبهة الشعبية القيادة العامة (أحمد جبريل) ، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني (الدكتور سمير غوشة) والجبهة الديمقراطية (أبو النوف حواتمة) ، وجبهة تحرير فلسطين (أبو العباس) وغيرها ..

وفي سورية انقسم الحزب الشيوعي، وتأصل دور البعث في السلطة، وشرعت الناصرية بالانهيار من خلال تنظيمها الشهير الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية،والاخوان المسلمون شكلوا الطليعة المقاتلة ووقعت بينهم خلافات كبيرة ، ولم تكن الحركة السياسية السورية قادرة على تجديد نفسها ، فوقعت في أزمة استمرت إلى اليوم .

أما في الفكر، فقد انبثقت من قلب الهزيمة والمرحلة التالية لها أسماء وكتابات على غاية الأهمية (في وقتها) ، فنشر الدكتور صادق جلال العظم كتابه الشهير(النقد الذاتي بعد الهزيمة، ونشر المفكر السوري ياسين الحافظ كتابه الشهير (الهزيمة والايدلوجية الهزومة) ، وتتالت كتابات الفكر المقاوم كناجي علوش ومنير شفيق وغيرهم ..

ازدهرت القصة والرواية والشعر وكنا نتابع ونقرأ في وقت لعبت فيه الصحافة دوراً كبيراً في الانفتاح على آلاف القراء الشباب، وخاصة صحيفة السفير ومجلة الطريق وغيرها ..

وصلتُ إلى لبنان مشياً على الأقدام . مشينا في الجبال بحثا عن بيروت. كنا نحلم ، والحلم مشروع في الحياة. الجميع يحلم، حتى العصافير تحلم بالدفء والربيع والحقول، فكيف بنا نحن البشر!

فماذا جرى بعدها ؟!

 

(يتبع)

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى