أنسام صيفية

المغامرة

المغامرة… هبت علينا قبل أيام نسائم أقرب إلى الحرارة منها إلى البرودة وكأن الطبيعة أرادت أن تودع الربيع بنفحة لطيفة عابرة كي نشتاق إليه أكثر في المقبل من أيام الحر المحرق والعرق الدافئ الذي يضيق به الجسد فقالت لي نفسي : إلى متى ستبقى سجين دارك خوفاً من جرثومة طائرة تهددك بفقدان الحياة ها هو الربيع يودع الناس بهذه النسائم الخفيفة الناعمة ،فاخرج إليها كي تودع الربيع من حيث يفيض باللطف والكرم والقطاف اللذيذ … و في هذا الوداع الدافئ نسبيا تتراجع تلك الجرائم ذلك لأن الدفء الطارئ يهلكها …و هكذا خرجت …

اعترض طريقي عند مدخل الدار أهل البيت محذرين إياي من هذه المغامرة التي تهدد المسنين أمثالي من التعرض لإعتداء الجراثيم المترصدة لي في الخارج ، غير أنني لا أدري من أين  واتتني تلك الجرأة على رفض نصائح أهل البيت والخروج إلى مواجهة الخطر وكأن لا وجود له .. مررت في طريقي على  الحديقة العامة القريبة من بيتي في ” المزة ” وتسكعت بين الأشجار التي امتلأت بالورق الأخضر ثم جلست على مقعد خال أمداً قصيراً ثم نهضت وأنا أشعر بالطمأنينة أن هذا الطقس الربيعي يساندني في استبعاد الجراثيم التي تخشى الحرارة التي بدأت ترتفع في فصل واعد بالحرية والأمان .

خرجت من الحديقة و قد نضجت مشاعر الثقة في أعماقي بأن الربيع هذا هو فصل الخلاص لا فصل الهلاك.

تابعت سيري إلى السوق بعد أن أحسنت رباط الكمامة – التي – كما قيل لي – تحمي فجوة فمي من أن تتسرب منها الجراثيم الصغيرة جداً .. جداً… و القادرة أن تصل إلى الرئتين حيث تجد ” الست” كورونا راحتها في إفساد عمل الرئتين بين الشهيق والزفيروتحولهما إلى رئتين عاجزتين عن الحركة…

هنا وضعت الكمامة ذلك لأنني سأقابل في السوق الزحام البشري العادي من المشترين والبائعين، وهذا ما واجهته بالفعل إذ كان عدد الناس وفيراً ومعظمهم بلا كمامات و كأنهم عقدوا مع كورونا إتفاقاً بأن تبتعد عنهم في هذا الطقس غير المريح بالنسبة لها …

سلمت في السوق على من أعرفه منهم غير أننا امتنعنا عن المصافحة مكتفين بالإبتسامات التي كنا نتبادلها ثم يمضي كل منا إلى شأنه الخاص دونما كلام كثير!.

عدت إلى بيتي في سيارة للأجرة وما كدت أصل حتى خرجت من السيارة أسرع لما كنت معتاداً عليه وكأنني استرجعت بعضاً من شبابي الآفل ودفعت للسائق أكثر مما  طلبه مني…و عدت إلى منزلي حيث استقبلت استقبال الأبطال!…

الله … الله .. ما أعجب هذا الكون الذي يخيفنا ويريحنا من الخوف ونحن نبقى على جهلنا أسراره…

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى