الموقف الإسرائيلي من الأزمة الروسية الأوكرانية
الموقف الإسرائيلي من الأزمة الروسية الأوكرانية .. تتمتَّع “إسرائيل” بعلاقات قوية مع أميركا وحلف الناتو وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وتربطها مصالح مع الطرفين الروسي والأوكراني.
تتزايد التحذيرات الأميركية والغربية من عزم روسيا على غزو أوكرانيا، بعد الأنباء التي أفادت بحشد ما يقارب 100 ألف جندي روسي على حدودها معها، وهي التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة.
وتريد روسيا من الغرب التعهّد بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهي تسيطر منذ العام 2014 على شبه جزيرة القرم. وقد أودى الصّراع بين النظام الأوكراني الموالي للغرب ومؤيدين للنظام الروسي بحياة عشرات الآلاف من الطرفين.
تتمتَّع “إسرائيل” بعلاقات قوية مع كلِّ الأطراف؛ أميركا وحلف الناتو وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وتربطها مصالح مع الطرفين الروسي والأوكراني.
اتّخذت “إسرائيل” حتى الآن موقفاً حيادياً، ولم تعلن دعمها أحد طرفي النزاع، على الرغم من موقف حليفها التقليدي، الولايات المتحدة الأميركية، ضد روسيا، والذي وصل إلى حدّ توجيه تهديدات برد عسكري في حال غزت روسيا أوكرانيا.
إنَّ تفسير الموقف الإسرائيلي مرتبط بعدة اعتبارات، أبرزها أنَّ المصلحة الإسرائيلية تتطلَّب الحفاظ على العلاقات مع البلدين المتصارعين. وقد ترغب “إسرائيل” في أن تؤدّي دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.
تعتقد “إسرائيل” أنَّ تماهي موقفها مع الموقف الأميركيّ ضدّ روسيا ستكون له ارتدادات على سلوكها في سوريا وعدوانها الجويّ المتكرّر عليها، وسيضرّ بحرية عملها في الجبهة السورية، وسينعكس سلباً على عملياتها العسكرية ضد المواقع السورية المختلفة وطبيعة التنسيق مع القوات الروسية في سوريا.
وتخشى “إسرائيل” أنَّ الهامش العملياتي المسكوت عنه روسياً، لمواجهة ما تسميه محاولات إيران وحزب الله لإنشاء مواقع عسكرية متقدمة في سوريا، سيضيق، في ما لو دعمت “إسرائيل” الموقف الأميركي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية.
كما أنّ العامل الداخلي الإسرائيلي يؤدي دوراً في بقاء الموقف من الأزمة على الحياد أو الوساطة، إذ يعيش في “إسرائيل” ما يقارب مليون روسي/يهودي ناطق باللغة الروسية، يتعاطف مع بلده الأم. وبالتأكيد، لن يؤيد هؤلاء دعم حكومتهم لأوكرانيا في صراعها مع روسيا.
تربط “إسرائيل” وروسيا مشاريع تجارية تتراوح بين مليارين و3 مليارات دولار في السنة، وتسعى “إسرائيل” لإعادة رفات الجندي الإسرائيلي زكريا بومل من سوريا، ولا تريد تبنّي مواقف تعوّق مساعيها لاستعادته.
اعترفت أوكرانيا في العام 2020 بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وفتحت مكتباً للسّفارة فيها، وتخشى “إسرائيل” أن تتراجع أوكرانيا عن مواقفها، في حال لم تدِن التهديد الروسي الموجه إليها.
نجحت “إسرائيل” في جلب مئات الآلاف من المهاجرين اليهود من أوكرانيا، وتعتبر الطبقة الغنية الأوكرانية “إسرائيلَ” من المناطق المفضّلة لديها على مستوى السياحة، كما شكّلت الأخيرة ملجأً للمعارضين الأوكرانيين الّذي هربوا إبان سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم في العام 2014، ما يعكس حجم التعاون الاستخباري بين أوكرانيا و”إسرائيل”.
أفادت مصادر إسرائيليّة بأنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، سعى لعقد لقاء قمة روسية أوكرانية، وذلك عندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل نحو 4 أشهر، وهو العرض الذي قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، ورفضه بوتين في الحالتين. ويبدو أنّ العرض نُقل بتنسيق أوكراني إسرائيلي.
تتّضح من الموقف الإسرائيلي الرغبة الإسرائيلية في الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع طرفي الأزمة، والسعي للتوسط بينهما، وترى “إسرائيل” أنَّ اندلاع حرب بين الدولتين لن يكون في مصلحتها، وسيترك آثاراً سلبية فيها.
تسعى “إسرائيل” للحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع حلف الناتو، وتعتقد أنَّ علاقتها بأوكرانيا متميّزة. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع المخاطرة بالضرورة الاستراتيجية التي تتطلَّبها المصالح المرتبطة بروسيا، وستعمل على خفض التصعيد بين الجانبين، حتى لا تتطوّر إلى مواجهة عسكرية قد تضطرّ فيها إلى مساعدة حلفائها الأوروبيين بنقل الغاز إليهم عبر الصهاريج، ما سيغضب روسيا. وفي حال أحجمت “إسرائيل” عن مدّ أوروبا بالغاز خلال الحرب، ستغضب أوروبا. وفي كلا الحالتين، ستتأثر علاقة “إسرائيل” مع أحد الطرفين.
لذا، إنَّ السّلوك الإسرائيلي في هذه المرحلة يدفع باتجاه التهدئة ومنع نشوب الحرب والوساطة، من دون أن تتّخذ “إسرائيل” مواقف تدعم الروس أو الأوكرانيين أو تدينهم. وفي حال تطوَّر الموقف إلى حرب بينهما، فستسعى لحدّ أدنى من الخسائر، لكنَّها ستكون أحد الأطراف التي ستنعكس عليها الأزمة، وستسعى لاستثمار الحرب، في حال حدثت، لاستجلاب اليهود من أوكرانيا إلى “إسرائيل”.