فن و ثقافة

النقد وهو يسعى لتفكيك النص : حكايات حارة المؤيد وقضية الجن والعاشقات !

عماد نداف

خاص

يفتح النقد في الأنشطة الثقافية المحلية على ثلاث مسائل تتعلق بالعلاقة بين الكاتب والقارئ، فأول مايخطر بالبال هو الأثر الذي تركه النص الأدبي عند الناقد الذي يمتلك منهجا محددا وأدوات قادرة على تحديد مستوياته والبحث عن معناه ، والثاني هو سؤال يتعلق بشرعية المطالبة في كشف الكاتب لرموزه وأبعاد النص الذي يكتبه ، والثالث يهدف إلى تمتين العلاقة بين الناقد والقارئ العادي الذي قرأ النص وسمع النقد حوله.

وقد أقيمت ضمن الأنشطة الثقافية المحلية أكثر من ندوة نقدية تستشف منها هذه المسائل، وآخر الندوات تلك التي قدمها الناقدان : غدير اسماعيل وأحمد علي هلال في المركز الثقافي في العدوي بدمشق، بحضور كتاب ونقاد ومتابعين ، وقد أثارت هذه الندوة الكثير من الأسئلة ، ولكن أهمها تلك التي تتحدث عن المسائل آنفة الذكر .

وجد الناقد أحمد هلال في روايتي (حكايات حارة المؤيد ــ الجن والعاشقات) أنها حكايات متصلة منفصلة، فلا يوجد عبر الوحدات السردية أرقاما للفصول، وأن هذه الحكايات توحي بالذاكرة التاريخية ، وكأنها تريد أن تقول : كانت الشام أحلى، لأن الكاتب كما يقول أحمد هلال أراد ببساطة أن يحيي المكان .

ويتابع الناقد هلال أن تأسيس الحكايات من خلال بيت ، ومايحيط به من حكايات عبارة عن أطلس المكان ، وأطلس العقارات ، فحارة المؤيد ( وهي حارة من الحارات القديمة في منطقة الجسر الأبيض تم تهديمها ) تمثل (الخربة ) ، وقد استدعى الكاتب الكثير من أسماء العائلات عبد ربه ، العطري، القوتلي .. إلخ ، ليشكل سردية يمكن وصفها بقصيدة عشق نثرية للشام ، وهناك بناء سينمائي ،كما يورد هذا الناقد ، وهذا البناء موجود من البداية في أحداث غرفة العناية المشددة .

أيضا توقف الناقد أحمد هلال عند استخدام لغة الهذيان (الحمى) في الرواية التي يستخدمها (فادي) في الانتقال إلى الماضي ومن ثم العودة إلى الحاضر كما يجري، فوصفه بأنه امتزاج للخيال بالواقع، وهو نتاج لعبة التخييل ، وقال إن الكاتب وزع أدوار العاشقات في مشهديات الحب المفتوح وهو المعادل الأساس للحب في البيئة الشامية ، إضافة إلى استدعاء الذاكرة الوطنية .

توقف أيضا عند موضوع (الجن) ، فالجن موجود في كل صفحة، وبالتالي السؤال يطرح نفسه: ماهي الرمزية المتعلقة بالجن،؟ فوجود الجن والقطط ليس مجانيا ، هو موظف بامتياز، وبمهنية..

أما الناقد غدير اسماعيل ، فرأى أنه يتفق مع الناقد أحمد هلال ، فالتشويق ساحر، لكن اللغة ليست شعرية، وإن مرت في بعض الحالات مرور الكرام . لكن الناقد غدير اسماعيل طرح عدة أسئلة تتعلق بدلالات الشخصيات ومعناها، فلماذا سميت المعشوقة التي يحبها فادي (ديمة)، ولماذا سمي (فادي) بهذا الاسم؟ ، وعندما يعجز فادي يناديها بهذيان الحمى (ديمةااااا)؟ ثم يأتي السرد ليقدم الواقع .

وأوضح الناقد غدير اسماعيل أن موضوع الجن والعاشقات يحيله إلى منهج التفكيك، فالمركز هو الجن والعاشقات ، لكن هل كان المركز فعلا؟ لم يكن محور الزاوية، كان هامشيا، هو حلم الكاتب بالتعددية السياسية.

ويقول إن الجن لم يكن مكونا اعتباطيا، في الرواية ، بل كان مؤشرا تاريخيا ، الفترة التي نعمت فيها سورية بالتعددية السياسية، في التعددية ظهرت الجن !

وتوقف عند شخصية ماريا ، فهل كانت جاسوسة فرنسية ؟ طرح الكاتب هذا السؤال عندما خرج الجن لماريا ، فهل رأت الجن بشكل فعلي أم أن علاقتها مع أهل الشام زعزت ثقتها بما كانت تعتقده حول الموضوع .

إن الحارة والمرجعيات السياسية التي يحيل إليها النص الروائي (شكري القوتلي) كما يرى غدير اسماعيل ، إنما هي مفتاح لمعرفة الكثير حيث ما أن تغيب حتى يظهر الدم. وتكثف الرواية المرحلة بأنها تتضمن اختلافا بين وجهات النظر لكن وعاء الحب والإلفة كان يحتويها ضمن مسار الشخصيات والأحداث التي تتناول مرحلة هامة من سورية تبدأ من انقلاب حسني الزعيم وتصل إلى عام 1970 .

وما أن انتهت قراءتا الناقدين هلال واسماعيل حتى طرحت الأسئلة الكثيرة من الحضور، وكانت منهجية الحوارقادرة على أن تفتح على الأسئلة الأولى التي طرحتُها في بداية هذه المراجعة فالنص والنقد أوجدا مباشرة علاقة حميمية بين الكاتب والقراء الموجودين في الحوار، فأشركتهم رؤيتا الناقدين بحوار جذاب أعاد إلى الذاكرة أهمية النقد، والمنهج النقدي ومقدرته على تفكيك معالم السرد الروائي ، لكن الطريف أن كثيراً من القراء لم يترددوا في سؤالي (ككاتب لهذه الرواية) عن معاني الرواية، ومعاني الشخصيات، وكنت أتهرب من أي تأطير للنص وشخصياته، فقلت إن ذلك يعود للقارئ وليس لي، أما إذا كنت تطلبون رأيي ، فعندها سأقول رأيي كقاريء محايد لنصٍ أنا كتبته وسوف لن أفعل ذلك !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى