الهجمات الموجعة في جبلة وطرطوس!

خاص

كانت هجمات مدينتي جبلة وطرطوس يوم الاثنين 23 أيار 2016 موجعة أكثر من غيرها من الهجمات التي تعرض لها السوريون في الآونة الأخيرة، ومن يعرف واقع الحال اليوم في محيط هاتين المدينتين يمكن أن يتصور معنى الألم الذي وقع في النفوس..

تم حصر أكثر من 154 ضحية و أكثر من 300 جريح من مختلف تكوينات الشعب السوري نتيجة هذه التفجيرات، وكانت عملية تنفيذها قد أعدت بعناية ودقة أثارت الانتباه في مكانها وزمانها، فشارك فيها انتحاريون انغماسيون لم يترددوا في تفجير أنفسهم حتى داخل المستشفى الذي ينقل إليه المصابون في التفجيرات الأولى ..

ووردت أخبار متناقضة عن مسؤولية الجهات التي نفذت هذه الهجمات ومن أي مجموعة مسلحة جاؤوا، وذلك أعاد السوريين إلى حقيقة مرة هي أنهم سيدفعون ثمنا كبيرا لمشروع يستهدف المنطقة بشكل عام، وبلادهم بشكل خاص، بغض النظر عن رغبتهم بإجراء تغييرات سياسية في البلاد، أو من الموقف من النظام الذي تتفاوت وجهات النظر حول ضرورة تغييره والبدائل المتوفرة لتحل محله ..

وسريعا بدأ السوريون يدفعون الثمن، وسريعا شاهدوا دما يسيل يحاول إثارة ضغائن وفتن، ولذلك تردد كثيرون منهم في تشكيل موقف سياسي فعلي يسعى لرسم صورة سياسية جديدة لمستقبل سورية .

لاتريد فئات الشعب السوري الدخول في متاهة الاقتتال الاثني والمذهبي، فالجميع يعرفون أن هناك اثنيات كثيرة في سورية وهناك أديان وطوائف سوف لن تنتهي أي حرب بينها فيما لو اندلعت على هذا الأساس ..

استمرت الحرب خمسة أعوام، وكانت الحرائق تنتقل من مكان إلى آخر، وحيث تندلع النيران يجمع السوريون أمتعتهم ويغذون السير بعيدا عن الموت والدمار والخراب والمجازر.. لم يفكر الفارون من الحرب بمخاطر إثنية أو طائقية في الأماكن التي يتجهون إليها، ولذلك راح الارهاب يضرب ويذبح وينكل على هذه الأرضية ليخلق شرخا واسعا يستطيع التحرك ضمنه، وكانت المذابح الشهيرة تعود إلى ارتكابات لتنظيمات مجهولة، وتبلور هذا النهج فيما بعد في وسائل وأدوات فصيلين أساسيين هما النصرة أولا، ثم داعش، رغم وقوع حوادث متفرقة أثارت السخط الوطني فورا ..

ومن المهم هنا الحديث عن طبيعة التكوينات السورية وآلية تعاملها مع الأزمة/الحرب التي أحرقت كل شيء ، لكن الصورة في مكان الهجمات الارهابية التي وقعت الاثنين أكثر وضوحا ونمذجة من غيرها!

في كورنيش اللاذقية أو طرطوس .. أو في الشوارع الرئيسية للقدموس ودوير الشيخ سعد مثلا، ومن خلال مشوار مسائي واحد، يمكن للزائر اكتشاف أن نسبة كبيرة من المهاجرين الذين التجأوا إلى هذه المناطق جاؤوا من إدلب ومن حلب وحتى من الجزيرة السورية ليعيشوا في منطقة آمنة، ولم يفكر أحد منهم أن المكان الذي جاء إليه هو مكان لعدوه، لم يفكر السوريون أبدا في هذه النقطة، ففي كل بقعة من الأرض السورية تعاون كبير يجري بين فئات السكان للإيواء وتقديم المساعدات، وحتى للتشارك في الدفاع عن الأماكن المأهولة في وجه الفوضى.. وهذا التعاون مرده إلى مسألة واحدة تتركز بأن الحرب ليست بينهم …

كثيرون في خارج سورية يترددون في تصديق هذه الحقائق، وذلك يعود للإعلام، فماذا لو عرفوا أن عدد الوافدين من حلب وإدلب إلى اللاذقية وطرطوس يعد بمئات الألوف. وفي إضافات أخرى هناك حالات زواج وطلاق تجري على أرضية هذا الدمج الديمغرافي الجديد، ولم يقف أي عامل كعقبة في وجه آليات التفاعل التي نشأت..

صدق أو لاتصدق !

هناك من هاجر من الرقة والحسكة ودير الزور وحلب وإدلب إلى الساحل السوري دون أن يقف أحدا في وجهه، وهناك من يعتقد أن الأزمة نشأت أصلا بسبب اعتقاد فئات وشرائح سياسية ((وخاصة دينية)) أن بالامكان الاستيلاء على السلطة بسهولة، إلا أن ذلك لم يحصل، بل إن الصراع تأزم وجرى تعميقه بالتدخلات الخارجية ومحاولة إثارة الفتن!

لذلك كانت هجمات طرطوس وجبلة مؤلمة … مؤلمة جدا وخطرة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى