انتخابات ليبيا.. مؤشر على دور تركيا المستقبلي
تشهد الساحة السياسية الليبية تطورات مثيرة وسريعة مع إعلان المفوضية العليا للانتخابات (الأربعاء الماضي) القائمة الأولية المعتمدة لمرشحي انتخابات ليبيا الرئاسية، والتي تضمنت 73 مرشحاً، فيما تم استبعاد 25 آخرين.
وأوضحت المفوضية أنّ استبعاد هؤلاء المرشّحين يعود إلى عدم انطباق شروط الترشح للانتخابات عليهم، من دون أن تنتبه إلى أن شروط الترشح لا تنطبق أيضاً على رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد دبيبة، الذي وافقت على طلبه للترشّح.
وتنصّ المادة 12 من قانون الانتخابات على ضرورة توقف أيّ مرشح عن العمل قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، حتى لا يستغل الوظيفة وأموال الدولة في الدعاية الانتخابية، وهو ما لم يفعله دبيبة، إذ لم يتوقّف عن العمل، وظلّ مستمراً بفعالياته المختلفة بشكل يخدم أجندته وحساباته الخاصة، وأهمها زيادة مرتبات القضاة الّذين سيشرفون على العملية الانتخابية.
كما استغلّ دبيبة المدعوم من أنقرة منصبه لتعيين أقاربه وقادة الميليشيات المسلّحة في مناصب عليا في حكومته وفي أجهزة الدولة المختلفة، وإنفاق أموال الدولة من دون أي رقابة مالية في حملاته الانتخابية وعلى المقربين منه، من دون أن يتذكر، ومعه المفوضية العليا للانتخابات، أنه وأعضاء المجلس الرئاسي تعهَّدوا بعدم ترشيح أنفسهم للانتخابات القادمة، بعد أن انتخبهم أعضاء ملتقى الحوار السياسي في شباط/فبراير الماضي.
وكانت المفاجأة الثانية في إعلان المفوضية استبعادها سيف الإسلام القذافي من السباق الرئاسي، بحجة الأحكام القضائية الصادرة بحقه. ووصف محامو القذافي قرار المفوضية بأنَّه “مخالف للقوانين، لأن سيف الاسلام لم يصدر بحقه أي حكم قضائي نهائي في أي جناية أو جريمة”.
وجاء قرار المحكمة العسكرية في مصراتة (الخميس)، التي حكمت غيابياً بالإعدام على المرشح الأوفر حظاً خليفة حفتر ليهدد العملية الانتخابية برمتها. ووصف متحدث باسم القيادة العامة للجيش التابع لحفتر قرار محكمة مصراتة بأنه “مهزلة، لأنه صادر عن محكمة غير شرعية وتابعة للفصائل الإخوانية، وهو لا يساوي حتى الحبر الذي كتب به”.
ومع انتظار القائمة النهائية للمرشحين، والتي ستعلنها المفوضية بعد 12 يوماً من انتهاء التدقيق والطعون والنظر فيها، يستمر المواطنون الليبيون باستلام بطاقاتهم الانتخابية، ليصل عددهم حتى الآن إلى حوالى مليونين من أصل 2.8 مليون سجّلوا أسماءهم في سجلات الناخبين، في الوقت الذي تشهد الساحة السياسية نقاشات ومهاترات إعلامية حادة بين مختلف الأطراف، إذ تشنّ الفصائل الإسلامية الموالية لتركيا حملات واسعة، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً، لعرقلة الانتخابات، بعد أن توقعت معظم الاستطلاعات فوز حفتر بها، ولو بقي الدبيبة منافساً له. كلّ ذلك وسط المعلومات التي تتحدَّث عن دعم تركي وإيطالي وبريطاني للدبيبة الَّذي سعى لكسب ودّ باريس أيضاً، من خلال مساعيه للتوقيع على اتفاقية نفطية مع شركة “توتال” الفرنسية.
هذه الخلافات واحتمالات المزيد من التوتر مع اقتراب موعد الانتخابات في 24 الشهر القادم، دفعت مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش إلى الاستقالة من منصبه بشكل مفاجئ، “كردِّ فعل على عدم دعم العواصم الغربية له بشكلٍ كافٍ”. ويفسر ذلك الاجتماع المفاجئ لمجلس الأمن الدولي (الأربعاء)، الذي توعّد في بيانه ” كل من يعرقل العملية الانتخابية ولا يحترم نتائجها”، وهدد “بفرض العقوبات ضد كلّ من ينسف المسار الديمقراطي”.
بيان سفراء أميركا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا كان أيضاً في الإطار نفسه، من دون أن يكون له أي تأثير في مجريات الأحداث، بعد أن فشلت الدول الخمس، ومعها مجلس الأمن الدولي وكلّ الدول المشاركة في مؤتمر باريس الأخير (12 الشهر الجاري)، في إقناع حكومة الدبيبة أو إجبارها على حسم موضوع إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا قبل موعد الانتخابات، وهو ما أقره مؤتمر الحوار السياسي الليبي في جنيف في شباط/فبراير الماضي، وكل اللقاءات الليبية والإقليمية والدولية الخاصة بليبيا بعد ذلك التاريخ.
ويراهن الكثيرون على مفاجآت المرحلة القادمة، بما في ذلك تأجيل الانتخابات أو إلغاؤها والعودة إلى نقطة الصفر من الصراع الداخلي، بعد أن اقتنعت الفصائل الإسلامية المسلّحة بأنها ستخسر الانتخابات، وسط المعلومات التي تتوقع عمليات تزوير واسعة ستقوم بها هذه الفصائل.
وقد يضع مثل هذا الاحتمال تركيا أمام تحديات جديدة مع أطراف إقليمية ودولية، وأهمها مصر المدعومة من الإمارات والسعودية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يسعى فيها الرئيس إردوغان لتطبيع علاقاته مع الدول المذكورة. كما ستجد أنقرة نفسها في وضع صعب في علاقاتها مع واشنطن، التي نزلت بكل ثقلها في الساحة الليبية، وهددت وتوعدت “كلّ من يعرقل الانتخابات ويعود بليبيا إلى دوامة الصراعات الدموية”.
وتبقى إيطاليا التي طردت العثمانيين، واحتلَّت ليبيا في العام 1911، وأعطت الجزر في بحر إيجة لليونان في العام 1914، ثم عادت إلى ليبيا في العام 2011، “أمل” الرئيس إردوغان لدعم حساباته الخاصة بليبيا عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً، من دون أن يتذكر أنَّ روما كانت قد وقعت في 9 حزيران/يونيو 2020 على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، كردٍّ على الاتفاقية التي وقعت عليها أنقرة مع حكومة السراج في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وتبقى لندن حليف إردوغان الثاني في ليبيا، إذ يتغنى رئيس وزرائها بوريس جونسون بأصوله العثمانية، حاله حال فيكتور آوربان، رئيس وزراء المجر، منذ العام 2010، والذي ضم بلاده إلى منظمة الدول التركية التي التقى زعماؤها في إسطنبول في 12 الشهر الجاري، لتكون التطورات المحتملة في ليبيا بانتخاباتها أو من دونها مؤشراً كافياً على دور تركيا المستقبلي في المنطقة، بعد أن تحدثت المعلومات عن مساعٍ إقليمية تقودها الإمارات، ومعها مصر والأردن، بل و”إسرائيل”، لإعادة ترتيب أمور المنطقة، وشرطها الأساسي هو أن يتخلّى إردوغان عن الإسلاميين في ليبيا أولاً، ثم سوريا لاحقاً، وهو ما يستبعده الكثيرون لإردوغان الَّذي لن يكون سهلاً عليه بعد الآن أن يتراجع عن كلّ ما قام به وفعله منذ ما يُسمى بـ”الربيع العربي”، فهو يعتقد أنّه الوحيد المنتصر في هذا “الربيع”، بفضل “بيعة” الإسلاميين له، وبشتى أصنافهم، المعتدلة والمتطرفة، وهم جميعاً في ليبيا رهن إشارته، كما هو الحال في سوريا وأماكن أخرى في المنطقة أو بعيداً عنها!