انسداد خيار الدولة المستقلة (ماجد كيالي)

 

ماجد كيالي

بغضّ النظر عن شرعيته فإن خيار إقامة دولة فلسطينية، في الضفة والقطاع المحتلين (1967)، يواجه انسداداً حقيقياً، بسبب السياسات التي انتهجتها حكومات إسرائيل. فثمة الآن أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، يعيشون في 144 مستوطنة، عدا عن النقاط الاستيطانية العشوائية، كما ثمة الجدار الفاصل، والطرق الالتفافية، وكلها تحد من حركة الفلسطينيين، ومن التواصل الجغرافي بين مدن الضفة.
معلوم أن أعداد المستوطنين تضاعفت مع وجود السلطة الفلسطينية، التي نشأت بعد توقيع اتفاق اوسلو (1993)، وأن الجدار نشأ مع سعي إسرائيل للفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة، وبهدف ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة إليها. وما ينبغي ملاحظته، أيضاً، أن إسرائيل لا تتعامل مع فلسطينيي الضفة باعتبارها سلطة احتلال فحسب، إذ هي تتعاطى معهم، أيضاً، باعتبارهم مجرد سكان مقيمين، ليس لهم حقوق إلا ما تمنحهم إياه، وليس لكيانهم سلطة إلا ما تتيحه له السلطة الإسرائيلية.
كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل لن تسمح بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، على النحو الذي يدور في مخيلتهم، رغم التنازلات التي قدمتها قيادتهم، بدليل طرحها عليهم مطالب تعجيزية، وغير مسبوقة، كمثل موافقتهم على الاعتراف بها دولة يهودية، وتواجد جيشها في الأغوار، على الحدود مع الأردن، وإجراء تبادل أراضٍ بحسب مصالحها، وبقاء القدس موحدة تحت سيادتها، والتخلي عن حق العودة للاجئين، واعتبار اقامة دولة كهذه نهاية للمطالب الفلسطينية.
هذا يوضّح أن إسرائيل تنتهج سياستين متناقضتين، فهي توافق على إقامة دولة فلسطينية، لكنها في المقابل تعمل على تجويف معنى هذه الدولة ومبناها، بحصرها الأمر بإقامة نوع من كيان سياسي للفلسطينيين، تحت هيمنتها، في أجزاء من الضفة (مع او بدون القطاع)، ووفق ترتيبات سياسية وأمنية واقتصادية معها.
ويستنتج من ذلك أن إسرائيل لا تريد من الفلسطينيين التنازل عن 77 أو 78 في المئة (مع التبادل) من حقهم في أرضهم التاريخية، فقط، بل إنها تريد منهم، أيضاً، التخلي عن روايتهم التاريخية، وعن رؤيتهم لذاتهم كشعب، وبالتالي الموافقة على تصدّع هويتهم الوطنية وكيانيتهم السياسية.
على ذلك فإن الفلسطينيين معنيون بالنظر إلى التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنشأ عن هذا المسار. فما قيمة أي كيان، إذا كان سينشأ بثمن كسر وعي الفلسطينيين لذاتهم ولقضيتهم ولحقوقهم ولهويتهم؟ وما أهمية أي إنجاز، إذا كان سينجم عنه هزيمة المشروع الوطني، وانتصار إرادة إسرائيل، وفرضها مصالحها وروايتها ورؤيتها عن ذاتها وعن حاجاتها الأمنية؟

صحيفة النهار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى