انهيار التسوية السياسية التوافقية في الذكرى العاشرة للغزو الأميركي العراق يرث التجاذبات والعنف الهمجي من الاحتلال (ليلى بن هدنة)

 

تقرير- ليلى بن هدنة

مع حلول الذكرى العاشرة للغزو الأميركي للعراق، الذي كان احتلالا مفصلياً بتداعياته وازماته التي خلفها، مازال العراقيون يعانون كل المعاناة من تلك الثغرات التي خلفها، حيث باتت الساحة العراقية ساحة سريعة التقلبات والتطورات الميدانية لهذا فقد وجدنا دفعة قوية من الأزمات الطائفية تظهر مرة واحدة مع موجات إرهاب منظم تفرض وجودها في الشارع العراقي بين الحين والآخر فاجأت العالم بمن فيهم المحتل. تجاهلت الولايات المتحدة القانون الدولي باحتلالها للعراق عسكريا وانتهكت النطاق الكامل للحقوق الوطنية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية للعراقيين وأن الطبيعة المنهجية لهذه الانتهاكات توفر ادلة دامغة على وجود سياسة فاسدة في جوهرها ويتطلب ذلك تغيرا جوهريا.
فاحتلال العراق أدى الى مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والديمقراطية والتي وعدت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش بتنفيذها في العراق، ولكن بدلا من ذلك قامت بترسيخ مناخ من الفوضى وتغذية دوامة متزايدة من النزاعات العنفية.

هدم المؤسسات

فإلي جانب التداعيات السلبية علي الدولة العراقية التي شهدت تفككا لكل اجهزتها ومؤسساتها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية بسبب اعتقاد الإدارة الأميركية تحت حكم الجمهوريين آنذاك أن إعادة بناء العراق تتطلب هدم مؤسساته وتفكيك أواصرها أملا في بناء مؤسسات جديدة، إلا أن الواقع العملي قد كشف عن خطيئة ارتكبتها الإدارة الأميركية تحت حكم الديمقراطيين فلم يصحح قرار الانسحاب الأميركي من العراق الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأميركية السابقة، ولم يواكب الانسحاب عملية تصحيح أداء الحكم الجديد في العراق ولا تقديم مساعدة حقيقية لدفع العملية الديمقراطية بصورة تضمن استقلالية القرار العراقي بعيدا عن إملاءات الخارج وضغوط الداخل سعيا لرأب الصدع الذي أصاب المجتمع وكاد ينهي كيان الدولة ووجودها.
و يمكن أن نتساءل: هل الأميركيون هم المسؤولون عن المصير الذي وصل إليه العراق بعد عشر سنوات من سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين ، كان متاحاً له خلالها أن يتحول إلى أحد أكثر دول المنطقة ازدهاراً واستقراراً؟ أم أنهم العراقيون بسبب تناحرهم على المقاعد الحكومية وانعدام الولاء الوطني لدى العديد من قادتهم والانغماس المفرط في الفساد داخل أجهزة الدولة الذي عمق الشرخ في جدار الأمة؟.

تفشي الفساد

ففي بلد يبلغ دخله السنوي مئة بليون دولار من عوائد النفط انتهى الأمر بسبب الفساد المتفشي وسرقة المال العام إلى انهيار شبه كامل في الخدمات العامة، تضاف إلى ذلك النسبة المرتفعة من البطالة التي تتجاوز ثلث اليد العاملة، وتراجع سلطة الدولة المركزية لمصلحة الأحزاب والتيارات والعشائر ذات الولاءات الطائفية والمذهبية، هل تحققت الحريات والديمقراطيات والتوافقات السياسية بين العراقيين وبعضهم البعض أم زادت الانشقاقات السياسية وتعمقت الاصطفافات الإيديولوجية، وتفكك النسيج الاجتماعي إلى آخر الأسئلة التي تحمل ملامح سلبية بعد عقد من الغزو
2003-2013 فترة عشر سنوات تراجع فيها النمو الاقتصادي العراقي، وتخلفت فيها مستويات الحياة، وتوارت الحريات، وازدادت الخلافات التى تقترب من الحرب الأهلية.. فيما لايزال العراق منقوص السيادة تحن طائلة الفصل السابع ، ليبقى التساؤل أين الدعم المطلوب الذي وعدت به ادارة الاحتلال لاستكمال سيادة العراق ؟ وهل يعقل ان الادارة الاميركية لا تتمكن من فرض مشروع قرار بانهاء العقوبات على العراق رغم كونها قد احتلت البلد وأسقطت نظامه السياسي بمشروع قرار؟


انهيار التسوية السياسية

حكما يمكن القول إن سلسلة التظاهرات الأخيرة في محافظات العراق الشمالية والغربية تسلط الضوء على انهيار التسوية السياسية التوافقية التي أبرمت في 2007، وهي عززت عند تشكيل حكومة ائتلافية سنية ـ شيعية ـ كردية، إثر انتخابات 2010. ولاشك في الحراك الجماهيري، حتى أن البعض أطلق على ما يجري في بعض المناطق الجغرافية العراقية مثل الأنبار، نينوي، صلاح الدين، ديالي، كركوك، بغداد أنه « الربيع العراقي» على وزن الربيع العربي في عدد من الأقطار العربية وذلك على إثر مداهمة قوة من وزارة الداخلية العراقية مكاتب وزير المالية رافع العيساوي واعتقال ما بين 150 و 200 من أفراد حمايته في يوم 20 ديسمبر 2012 .
فشل الحلول

ولعل المتابع للمشهد السياسي العراقي بدقة يرصد أن كافة البدائل التكتيكية التي أوجدت من أجل إنتاج أنظمة هجينة لم تنجح في أن تتجاوز الأزمة البنيوية التى يعاني منها هذا النظام، ولاسيما أن المحاولات التي وصفت بالتوافقية، من أجل الحفاظ على الوضع السياسي الهش اعتمادا على ميزان القوى القائم لم تتحول على الأقل إلى اتفاقات تحترمها الأطراف جميعا. ويمكن القول إن الأزمة السياسية الرئيسية المتمثلة في طبيعة النظام السياسي الذي أنتجه دستور عام 2005، فهو دستور غير قابل للتطبيق والاستمرار لعوامل ذاتية بحتة، وهو ماسمح بتكريس الطائفية.

عودة الاحتلال الأميركي

ففي الوقت الذي تتفاقم فيه النزاعات بين السنة والشيعة من ناحية تتسع هوة الخلاف والشقاق بين المنطقة الكردية والحكومة المركزية لدرجة لم يعد رئيس الحكومة نوري المالكي مرغوبا به لا من داخل حكومته ولا من شعبه نتيجة فشله في إدارة البلاد.
ويبدو أن هنالك من يحاول أن يعيد العراق لمرحلة الاحتلال مجددا عبر طرح حلول غير واقعية لحل المشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وبكل بساطة يطرح البعض فكرة عودة القوات الأميركية للمناطق الخاضعة للمادة «140» من الدستور العراقي تحت ذريعة أن وجودها من 2003 وحتى الانسحاب الأميركي نهاية عام 2011 كان ناجحا.
هذا التعليل فيه الكثير من المغالطات لعل أهمها أن الخلاف بين الحكومة الاتحادية والإقليم ليس عسكريا ليتطلب وجود قوات تحفظ الأمن، وثانيا أن كردستان جزء من العراق الاتحادي وليست دولة مجاورة، وثالثا وهو الأهم أن وجود أي قوات أجنبية يجب أن يكون بموافقة البرلمان العراقي، وهو أمر لا يمكن أن يحصل لأسباب كثيرة، منها أن القوى السياسية العراقية لا يمكن لها أن تقبل عودة الجنود الأميركيين بأي طريقة ولأي سبب كان، وثانيا أن القوات العراقية لم تفشل في إدارة الملف في هذه المناطق بل تم عرقلة عملها من أطراف تريد فرض الأمر الواقع، وكأن ما يحصل مواجهة بين دولتين وليس شأنا داخليا تحتمه فرضيات الأمن الوطني العراقي.

 
جذور الأزمة

يؤكد محللون عراقيون أن شرارة الأزمة اندلعت مباشرة ليلة الانسحاب الأميركي من العراق، بانطلاق دعاوى تشكيل الأقاليم، وأزمة تصدير النفط، وتعليق العضوية في البرلمان والحكومة، والتهديد بالانفصال، وغيرها من الشواهد الكثيرة التي تجمعت دفعة واحدة في اليوم الأخير لوجود الأميركيين في العراق .
ومبعث هذه التصرفات يكمن في أن أميركا كان لها تأثيراتها الكبيرة في العملية السياسية والتوافقات ما دامت قواتها كانت موجودة في العراق، لكن بعد خروجها غرست بذرة الخلاف الذي يؤكد للعالم ان العراق في ظل الاحتلال كان آمنا بعد عام من نهاية الاحتلال.

موقع عالم واحد الالكتروني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى