انهيار الجنيه.. والدولة! (محمد صلاح)

محمد صلاح

 

المؤكد أن إقرار مسودة الدستور وإعلان نتائج الاستفتاء لن تكون نهاية لحالة عدم الاستقرار التي عاشتها مصر منذ تنحي مبارك، وزادت بشدة بعد «الرئيس المنتخب» ورحيل المجلس العسكري عن مقاعد الحكم، وإنما يفترض أن تكون بداية إما لصراع من نوع جديد بين فريق الحكم الذي يضم الرئيس محمد مرسي وحزبه «الحرية والعدالة» وجماعته «الاخوان المسلمين» وحلفاءه من السلفيين، وبين معارضيه من باقي ألوان الطيف السياسي، أو ستكون بداية لتوافق لا يلغي الخلافات بين الفريقين وإنما يضعها عند حدودها الطبيعية دون أن ينعكس التباري بينهما في الشارع صراعاً دموياً واقتتالاً أهلياً.
ودون الدخول في تفاصيل اقتصادية معقدة، فإن الحالة المصرية الآن كما حال الجنيه المصري، الذي شهد أخيراً انهيارات لم تحدث طوال عقد من الزمان، وكل المؤشرات تؤكد أنه في سبيله إلى مزيد من الوقوع. بديهي أن حال العملة في أي دولة يكون انعكاساً للأوضاع السياسية فيها، كما أن تعافي الاقتصاد وتدفق الاستثمار وازدهار العملة أمور تصب في مصلحة أي نظام حكم، إذ تقلل من الاحتجاجات والغضب والرغبة في تغييره وتساعد على استقراره. لكن الطبيعي أيضاً أن كل الأحداث التي جرت في مصر، خلال الأسابيع التي سبقت الاستفتاء على الدستور، هي التي أدت إلى ما صار عليه الحال الآن سياسياً واقتصادياً في آن. بل إن بعض المصريين يتعجبون من هذا البلد الذي يكاد العمل فيه يتوقف، ولا يمر يوم من دون اعتصام هنا وتظاهرة هناك، ولا تؤدي فيه الحكومة أية أدوار تتعلق بالمستقبل، بل تفشل حتى في تسيير الأمور العادية بالتزامن مع حال احتقان وغضب بين قوى المعارضة وسجال دائم بين المتصارعين على المقاعد أو الأفكار، ومع كل ذلك يعيش البلد والناس بقوة الدفع الذاتي!
الحديث عن الخروقات والانتهاكات والتزوير الذي صاحب المرحلة الثانية من الاستفتاء أمر مكرر، إذ عهد المصريون مثل هذه الأمور طوال عصر مبارك، وكذلك في المرحلة الأولى على الاستفتاء، وإن كان الجميع تمنى أن تُنهي الثورة مثل هذه الصور المزرية والتصرفات المخجلة، إلا أن الحقيقة أن كل سلطة دائماً ما يكون لديها القدرة على إطلاق المبررات، ونفي الحقائق، وسد عين شمس، ونفى ما هو ثابت، والمشاهد التي لا يمكن إنكارها.
واللافت أن مصر لم تشهد طوال تاريخها انتخابات أو استفتاءات توافرت لها ظروف طبيعية وجرت في نزاهة حقيقية ودون تدخل من السلطة إلا من خلال فترة حكم المجلس العسكري! ولا علاقة لذلك بسلبيات تلك الفترة في أمور أخرى أو هتاف «يسقط يسقط حكم العسكر» لكنها الحقيقة التي كان أحد أسبابها أن السلطة وقتها لم تكن ترغب في نتيجة بعينها. حتى أن البعض رأى أن ما تعانيه مصر الآن سببه تصرفات العسكر وسياساتهم. عموماً زادت وقائع الاستفتاء والنتيجة التي أفضى إليها من الانقسام، ورغم كثرة كلام أقطاب الحكم ورموز «الإخوان» عن توافقات وحوارات ستجرى في المرحلة المقبلة لـ»لم الشمل» وتخفيف الاحتقان. ورغم تحذيرات الحكومة من أن حال الاقتصاد في خطر ونيتها اتخاذ إجراءات تنشيطية وتدبير موارد، فإن النتيجة المؤكدة هي أن ذلك الاحتقان سيزيد، وأن الاقتصاد سيتدهور، وأن الجنيه سينهار، والأعباء على الناس ستفوق القدرة على الاحتمال بما سيؤدي إلى مزيد من الارتباك الرئاسي، والتخبط الحكومي والصدام الأهلي وقتها سيكون «حتمياً». وعندها لن يستهدف العنف سلطة حاكمة بكل مكوناتها فقط وإنما ليس من المستبعد أن يشمل أيضاً كل النخب، بما فيها قوى المعارضة، عندما يفقد الجوعى الثقة في الحكم والمعارضة في آن. ذلك أن المقدمات لا تنبئ بأن حواراً جدياً سيجرى، أو أن توافقاً حقيقياً سيتحقق، أو أن ازدهاراً اقتصادياً سيحدث. فكل طرف من الأطراف المتصارعة يسير على الطريق التي اختارها لنفسه دون أن يحيد عنها، أو يتعهد بتصحيح مسار، أو التنازل عن بعض المصالح. الحكم في أزمة حقيقية قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في غضون ثلاثة شهور، وحساباته السياسية تحول دون اتخاذ قرارات اقتصادية قد تؤثر في حصيلته من مقاعد البرلمان المقبل، وفي الوقت نفسه فإن تدهور أحوال المعيشة واستمرار انهيار الجنيه وتدني مستوى الخدمات أمور تدفعه إلى ضرورة السير في خطط للإصلاح الاقتصادي. لكن هو الذي فعل بنفسه ذلك، ووضع نفسه ومعه الدولة على حافة الخطر. فالانهيار لا يهدد الجنيه فقط وإنما الدولة أيضاً.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى