تحليلات سياسيةسلايد

انهيار السّدّين… تفاصيل صادمة ومعلومات حول “المُتّهم الأوّل” في كارثة ليبيا الأخطر في مِنطقة البحر المتوسّط بأكملها

بينما كان الناس نائمين، ليلة الاثنين الماضي، طاف عليهم إعصار شبه مداري، فخلف كارثة من أخطر الكوارث في منطقة البحر المتوسط بأكملها.

فقد اجتاح الإعصار المسمى “دانيال” بسرعة بلغت 180 كيلومترا في الساعة مع كميات قياسية من المياه، سدين يعود تاريخهما إلى سبعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى إطلاق ملايين الأمتار المكعبة من المياه التي ضربت بعنف غير مسبوق، منازل مدينة درنة الواقعة شمال شرقي البلاد، والتي يبلغ عدد سكانها وحدها ما بين 50 إلى 90 ألف نسمة، فيما اختفت أحياء بأكملها.

وبالإضافة إلى درنة، تضررت مناطق أخرى، مثل سوسة (8 آلاف نسمة)، والمرج (80 ألف نسمة)، والبيضاء (250 ألف نسمة)، والمناطق الداخلية التي لا يُعرف عنها سوى القليل.

صعوبات تواجه فرق الإنقاذ

وقال وزير الصحة في الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان عثمان عبد الجليل إنه من المتوقع أن ترتفع حصيلة الوفيات مع استمرار جهود الإنقاذ التي تنفذها السلطات الليبية للبحث عن مفقودين.

وتابع عبد الجليل، في تصريح لـ “سبوتنيك”، اليوم الخميس: “تمكنا من إعادة الخدمات الصحية بعدة مناطق في مدينة درنة، ونواصل العمل مع جميع الجهات لإخراج الجثامين من الأماكن المتأثرة بالإعصار”، لكنه أوضح أن الفرق الطبية تواجه صعوبات كبيرة في العمل داخل المدينة بسبب ضعف الاتصالات والأوضاع الإنسانية المأساوية التي تسبب فيها الإعصار”.

وانقطعت الاتصالات والإنترنت، والهواتف المحمولة لا تعمل، والعديد من الطرق مغلقة، ما أدى إلى بطء وصول المساعدات.

وبينما يمكن عزوُ هذه الكارثة إلى أسباب مثل الإهمال، وتغير المناخ، فإن حقيقة أن الناس كانوا نائمين عندما أدى الإعصار إلى فشل السدين، هي أحد الأسباب القوية المحتملة.

ورصدت بعض مقاطع الفيديو المتداولة لحظات مأساوية لما شهدته مدينة درنة الليبية وكيف اجتاحت مياه الفيضانات كل شيء أمامها بعد انهيار السدين.

ما هما السدان ولماذا انهارا؟

أثار انهيار السدين إثر تعرضهما لإعصار “دانيال” تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى الانهيار وما نتج عنه من كارثة لم تشهدها البلاد من قبل، وهو ما تحدث عنه أسامة علي، المتحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي الذي أوضح أن عدم صيانة السدين كان من أسباب انهيارهما.

يوجد السدان جنوبي مدينة درنة وكان يبلغ ارتفاع كل منهما نحو 40 مترا، قبل أن ينهارا، وهما:

سد البلاد: هو السد العلوي وكانت سعته التخزينية تبلغ 1.5 مليون متر مكعب من المياه.

سد أبو منصور: هو السد السفلي وكانت سعته التخزينية تبلغ 22.5 مليون متر مكعب من المياه.

كانت مدينة درنة تتعرض للفيضانات بصورة متكررة وكان أشدها فيضان عام 1959، وهو ما دفع الحكومة الليبية إلى التوجه نحو بناء السدود لحمايتها وتم تشييد السدين عن طريقة شركة أجنبية استخدمت الطين المضغوط، الذي تم تدريعه وإحاطته بالحجارة والصخور.

وبالفعل، نجحت السدود في حماية المدينة من الفيضانات الجارفة عام 1986، دون أن تتعرض لأي خطر.

كيف انهار السدان؟

أشارت تقديرات حكومة الوحدة المؤقتة إلى أن كمية المياه التي تعرض لها السدان تقدر بـ 23.5 مليون متر مكعب من المياه، وهي كمية أقل من السعة التخزينية لهما التي يبلغ إجماليها 24 مليون متر مكعب.

لكنها أوضحت أن سرعة تدفق المياه أمام السد الأول أدى إلى انهياره لتتوجه المياه إلى السد الثاني بقوة اندفاع تسببت في انفجاره.

وبينما تحدث البعض عن أن نسب هطول الأمطار كانت تتجاوز القدرة الاستيعابية للسدين، فإن هناك اتهامات بإهمال السدين لفترات طويلة بصورة أدت إلى تهالكهما، إضافة إلى عدم إنشاء بنية تحتية حديثة فيما يتعلق بأنظمة صرف المياه من السدين، كما يقول بعض الباحثين الليبيين المتخصصين في مجال السدود، الذين أوضحوا أن المنطقة تعرضت لـ5 فيضانات منذ أربعينيات القرن الماضي في أعوام (1941، 1959، 1968، 1986، 2023).

انهيارات متتالية

زعم أحد السكان المحليين، في حديث لوسائل إعلام، أن بعض الأودية الواقعة وراء السد يصل عمقها إلى مئات الأمتار، مشيرا إلى أن ذلك ضاعف قوة اندفاع المياه التي اتجهت إلى مدينة درنة وجعلها تنسف 8 جسور أمامها، بينما قال أسامة علي، المتحدث باسم هيئة الطوارئ الليبية، أن تيارات قوية من المياه الموحلة جرفت كل ما جاء في طريقها من منازل ومركبات.

اختفاء ربع المدينة

وفي تصريحات إعلامية، يقول وزير الطيران المدني الليبي هشام شكيوات، إن ربع المدينة قد اختفى بعد الفيضانات، بينما يقول مسؤول الاتصال الوطني الليبي بمنظمة الصحة العالمية رامي الشهيبي، إن الوضع الذي تشهده المدينة كارثي ويفوق الوصف.

وتؤكد ذلك عضو البرلمان الليبي عن دائرة الجبل الأخضر، سلطنة المسماري، في تصريح لـ”سبوتنيك”، ذكرت فيه أن انهيار السدود في وادي درنة كانت له عواقب وخيمة مما أدى إلى انهيار ربع المدينة وانجراف أحياء كاملة إلى البحر.

وفي رواية متداولة عبر الإنترنت، تقول مدونة ليبية تدعى سندس شويب، جانبا من المأساة، التي شهدتها بنفسها عندما جرفت مياه الفيضانات منزلها، مشيرة إلى أنها رأت الأطفال عالقين وأن الجثث كانت في كل مكان حولها، قبل أن تجرفها الفيضانات إلى المياه الضحلة لتتمكن من النجاة.

وتعبر المدونة الليبية عن صدمتها من المأساة مشيرة إلى أنها تشكر الله على النجاة، لكنها عندما تتذكر فقد عائلتها تتمنى لو أنها كانت معهم.

10 آلاف قتيل

جرفت المياه أحياء بأكملها وسحبت جثثا نحو البحر، حسبما ذكر متحدث الداخلية الليبية بالحكومة المكلفة من البرلمان طارق الخراز لـ”سبوتنيك”، الذي أوضح أنه تم دفن أكثر من 3 آلاف جثة بمدينة درنة الليبية وأن هناك أكثر من 2700 بلاغ عن مفقودين، مشيرا إلى أن الكثير من جثث ضحايا الفيضانات لا تزال في البحر أو تحت الأنقاض.

وتوقع الخراز أن ترتفع حصيلة القتلى إلى 10 آلاف شخص، وهي الحصيلة المتوقعة التي تحدثت عنه أيضا النائبة سلطنة المسماري في تصريح لـ”سبوتنيك”، ذكرت فيه أن حصيلة الضحايا في ازدياد وأن عدد الجثث التي تم دفنها تجاوز 6 آلاف جثة، بينما تتواصل جهود البحث عن مفقودين آخرين.

وكان مسؤول أمني قال، يوم الثلاثاء، إن عدد الوفيات في مدينة درنة جراء العاصفة تجاوز 5300 وفاة.

لكن المتحدث باسم الصليب الأحمر في ليبيا بشير عمر، قال لـ”سبوتنيك” إنه لا توجد إحصائية دقيقة بشأن أعداد الوفيات والمصابين، مشيرا إلى أن الأرقام المعلنة غير دقيقة وأن الهلال الأحمر الليبي فقد بعض عناصره خلال عمليات الإنقاذ.

نزوح بلاد عودة

تسبب الإعصار “دانيال” في نزوح عشرات الآلاف من ديارهم كما يقول المجلس النرويجي للاجئين، الذي أوضح أن هؤلاء النازحين ليس لديهم أمل في العودة إلى ديارهم.

وتشير المنظمة الدولية للهجرة عن وجود نحو 36 ألف نازح جراء العاصفة “دانيال” في ليبيا، مشيرة إلى أن 30 ألفاً منهم في درنة وحدها، بينما نزح الباقون من مدينتي البيضاء والمخيلي، اللتان تقعان بين بنغازي ودرنة.

المتهم الأول

رغم أن العاصفة هو المتهم الأول في الكارثة التي تعرضت لها ليبيا، إلا أن السبب الحقيقي هو ما شهدته البلاد عقب قصف “الناتو” لمدنها قبل سنوات وما تلى ذلك من إهمال البنية التحتية بصورة عامة والسدود بصورة خاصة، وهو ما جعل البلاد غير مستعدة لمواجهة العاصفة دانيال.

وتؤكد ذلك النائبة سلطنة المسماري، التي تقول إن ليبيا تمر منذ أكثر من عشر سنوات بحالة من عدم الاستقرار، وهو ما أثر على البنى التحتية ومستوى أداء المؤسسات بها.

وأوردت وسائل إعلام حديث بعض الخبراء عن الكارثة التي لم تفاقمت آثارها بسبب غياب التخطيط السليم للمدن وعدم امتلاك وسائل إنذار مبكر لإخلائها في وقت الكوارث، كما يقول الخبير البيئي كيفن كولينز، بينما يتحدث أستاذة علوم المناخ بجامعة بريستول كابوت، ليزي كيندون، عن أحداث غير مسبوقة في سجل الرصد البيئي وزيادة شدة الأمطار، ما يعني أنه من المتوقع تكرار الفيضانات المدمرة في المستقبل.

تجاهل التحذيرات

حذر عالم الهيدرولوجيا الليبي عبد الونيس عاشور، العام الماضي، من تعرض مدينة درنة لكارثة في حالة حدوث فيضانات، بسبب تهالك السدين، لكن تلك التحذيرات لم تنجح في لفت نظر السلطات الليبية لمستوى الخطر حتى وقعت الكارثة الحالية التي تشهدها البلاد، التي لا تزال معرضة لأي فيضانات جديدة خاصة بعد انهيار السدين.

تحقيق سياسي

رغم أن منطقة شمال أفريقيا أصبحت عرضة آثار التغيرات المناخية، إلا أن الأمر يتعلق أيضا بالفساد وغياب الكفاءة في التنبؤ بالكارثة والتعامل معها، وهو ما يستدعي إجراء تحقيق سياسي، حسبما تقول أنس القماطي، مؤسس مركز صادق للأبحاث ومقره ليبيا، في تصريحات إعلامية، أشارت فيها إلى عدم التحرك لإخلاء مدينة درنة قبل وقوع الكارثة رغم وجود تحذيرات سابقة.

ويتوافق ذلك مع ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي من مناشدات أطلقها ليبيون لمساعدتهم بمعلومات تمكنهم من الوصول إلى أقاربهم المفقودين جراء الفيضانات، التي تسببت فيها العاصمة “دانيا” وأدى إلى تفاقهم تجاهل التحذيرات بشأن إمكانية انهيار السدين اللذين يحميان المدينة.

وتقول النائبة الليبية سلطنة المسماري، لـ”سبوتنيك” إن إعصار “دانيال” ضرب مناطق شرق ليبيا في الوقت الذي تواجه فيه البلاد ظروفا صعبة، مشيرة إلى أن الأزمة أكبر من إمكانيات الدولة.

وقالت المسماري إن الدور الشعبي والهلال الأحمر كان مهما فيما يتعلق بإرسال مساعدات وفرق إغاثة شبابية للعمل في المناطق المنكوبة، بينما ثمنت جهود الحكومة الليبية والقوات المسلحة في الاستجابة السريعة.

تغيرات المناخ

كان من المفترض دراسة الأحوال الجوية بصورة أفضل حتى يمكن اتخاذ قرار صحيح بشأن المناطق الموجودة في مسار العاصفة وما يتبعها من فيضانات، كما يقول المتحدث باسم هيئة الطوارئ الليبية، في تصريحات إعلامية.

ويقول خبراء مناخ إن درجات حرارة سطح البحر الأبيض المتوسط سجلت ارتفاعا غير معتاد في مثل هذه الفترات من الأعوام السابقة، كما عانت المنطقة من موجة حر غير مسبوقة بصورة يمكن أن تقود لتشكل إعصار إستوائي.

وتشير تقارير إلى أن المياه الدافئة تجعل الأعاصير أكثر شراسة وهو ما حدث في حالة العاصفة “دانيال” التي ضربت ليبيا، قبل أيام.

وأظهرت صور تم التقاطها بواسطة الأقمار الاصطناعية أن بعض أحياء مدينة درنة الليبية اختفت بصورة كاملة إثر الفيضانات التي تسببت فيها العاصفة دانيال، وهو ما يتوافق مع ما ذكرته السلطات المحلية حول اختفاء ربع المدينة، الواقعة شرقي البلاد.

وأعلن المجلس الرئاسي في ليبيا مدن درنة وشحات والبيضاء في برقة بالشرق مناطق منكوبة، بسبب السيول التي اجتاحتها وخلفت حصيلة ضحايا غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

وقال مراسل “سبوتنيك”، ماهر الشاعري، إن “جثامين الضحايا في شرق ليبيا ما زالت تحت الركام وبالتالي لا نعلم كم هي الأعداد الحقيقية التي وصلت إليها الأوضاع.

ولفت إلى أن إمكانية الإنقاذ بسيطة جدا ومحدودة جدا، لكن هناك دعما دوليا وصل ليبيا من عدة دول منها مصر وتركيا وتونس والجزائر، مشيرا إلى أن “انقطاع مدينة درنة عن المناطق المحيطة بعد السيول التي اجتاحتها، جعل صعب عملية حصر حصيلة الضحايا بدقة، خاصة أنه لا يزال هناك مفقودون، حسب “سبوتنيك”.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى