اقتصاد

انهيار الليرة التركية يسبب أزمة دواء في تركيا

ارتدت أزمة الليرة التركية التي فقدت قرابة نصف قيمتها منذ مطلع العام الحلي في سلسلة انهيارات متتالية ناجمة عن عناد الرئيس التركي وتمسكه بخفض سعر الفائدة، أزمات في أكثر من قطاع من بينها قطاع الأدوية، ما فاقم معاناة القطاع ومعظم الأتراك رغم إنكار الحكومة لوجود شح أو نقص في الأدوية.

وتشير شهادات صيادلة ومواطنين أتراك إلى أن مجموعات من الأدوية باتت معدومة تقريبا، فيما بات الحصول على أدوية معينة معاناة يومية لكثير من المرضى أو ذويهم.

وتختزل معاناة فاتح يوكسل شأنه في ذلك شأن آلاف الأتراك، فصلا من فصول المعاناة اليومية حيث يتنقل منذ أسابيع من صيدلية إلى أخرى بحثا عن أدوية لم تعد متوفرة في السوق مع انهيار الليرة التركية.

ويقول الرجل البالغ من العمر 35 عاما الذي يعاني منذ تسع سنوات من مرض بهجت وهو مرض نادر من أمراض المناعة الذاتية يسبب صداعا مؤلما “أحيانا لا أجد أدويتي على الإطلاق وتزداد حالتي سوءا. الأمر صعب للغاية لكن علي أن استمر في العمل”.

ويعتبر القطاع الطبي من الأكثر تضررا بسبب اعتماده على الواردات مع انهيار العملة الوطنية ومع حالة من الاضطراب المالي غرقت فيها تركيا في السنوات الأخيرة وتفاقمت هذا العام.

ويقول معظم المحللين إن هذه الأزمة ما هي إلا تراكمات سنوات من العداء والمعارك الخارجية التي خاضها الرئيس التركي على أكثر من جبهة خارجية ما تسبب في شروخ في علاقات تركيا الخارجية السياسية والتجارية ودفع الكثير من الشركاء إلى النفور من السوق التركية.

وتتعاظم مخاوف المستثمرين عادة في أي بيئة يتنامى فيها القمع وتكثر فيها تدخلات القيادة في السياسة النقدية، ما يجعل هذه البيئة طاردة بالفعل للاستثمارات الخارجية.

وبالنسبة لأزمة الدواء التي بدأت تتعاظم في تركيا، فقد أصبحت مجموعة كاملة من الأدوية المخصصة لعلاج أمراض مثل السكري والسرطان أو حتى نزلات البرد غير متوفرة في 27 ألف صيدلية في تركيا.

وفقدت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها منذ بداية العام أمام الدولار بل وتراجعت بشكل حاد منذ إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان الشهر الماضي “حرب الاستقلال الاقتصادي”.

ومتجاهلا النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، فرض الرئيس التركي على البنك المركزي خفض أسعار الفائدة بانتظام، ما زاد من التضخم الذي تخطى 21 بالمئة خلال عام.

وبلغ سعر صرف الدولار الجمعة 17 ليرة بعد أن كان 9.6 مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.

ويقول فيدات بولوت الأمين العام لاتحاد أطباء تركيا إن “أنقرة تمر بأزمة دواء. انسحب العديد من الموردين من السوق لأنهم بدؤوا يخسرون الأموال واستمرت وزارة الصحة في تسديد المال لهم بسعر الدولار عند 4 ليرات تركية”، مضيفا أن أكثر من 700 دواء انقطعت اليوم من السوق والقائمة تطول يوما بعد يوم، لكن السلطات التركية تنفي وجود أزمة.

وكان وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة قد قال الأسبوع الماضي “الأنباء التي تثير نقص الأدوية لا تعكس الواقع”، متهما شركات الأدوية بمحاولة بيع منتجاتها “بأسعار مرتفعة”.

لكن الأمين العام لاتحاد أطباء تركيا قال في المقابل “إنه إنكار للواقع”، موضحا أن نفس الأزمة تطال أيضا المعدات الطبية اللازمة للعمليات الجراحية. كما حذر من أن “العديد من العمليات علقت اليوم. وصحة مواطنينا في خطر”.

وأمام يأس المرضى الذين يطلبون منهم تأمين أدوية لم تعد متوفرة، يدعو الصيادلة الحكومة بإعادة تقييم أسعار الأدوية ثلاث مرات على الأقل في السنة.

وأوضح تانر إركانلي رئيس نقابة الصيادلة في أنقرة أن “الوضع تدهور بسبب انهيار الليرة التركية. تخيلوا حريقا يسكب عليه الزيت… هذا ما نعيشه”، لكن رفع أسعار الأدوية المستوردة اليوم لن يكون بالضرورة كافيا.

وبعد أن تسبب الوباء في زيادة أسعار المواد الأولية، تأثرت أيضا العلاجات المنتجة في تركيا، لذلك يطلب المنتجون المحليون من الحكومة أن تأخذ المدفوعات المتأخرة في الحسبان سعر الصرف الحالي وليس السعر المتفق عليه في ذلك الوقت.

وتحذر جمعيات أرباب العمل من أن بعض الشركات ستضطر إلى التوقف عن العمل إذا لم تتمكن من تعويض خسائرها.

والأدوية التي لا يمكن العثور عليها هي أحيانا تلك التي كانت منتشرة بكثافة في السوق مثل أدوية السعال للأطفال.

واختبر أمين دورموس (62 عاما) الأمر عندما بحث دون جدوى عن دواء ضد السعال لحفيده البالغ من العمر 5 سنوات. ويقول “نحن في وضع بائس. آمل أن يسمعنا المسؤولون”.

كما يعاني إركان أوزتورك الذي يدير مركزا صحيا في أنقرة، من نقص أدوية الحمى والغثيان أو المسكنات، قائلا “نواجه صعوبات جدية في إيجاد حقن لخفض الحمى لدى الأطفال”.

وعندما تكون شبكة الدعم بين المستشفيات غير قادرة على الاستجابة للطلب، عليها إعطاء الأدوية عن طريق الفم أو استخدام الكمادات الباردة التي تعمل بشكل أبطأ من الحقن. ويرى الصيدلي جوكان بولموس أن الأزمة تتفاقم.

وقال بقلق “كمية أدوية مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والربو والالتهاب الرئوي تتراجع أكثر وأكثر”، مضيفا “نتجه نحو نقص معمم. ما بقي اليوم هو آخر الأدوية وبعد ذلك لن نتمكن من استبدالها”.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى