باباجان غفوروف : الطاجيك (التاريخ الأقدم والقديم والأوسط) رؤية تاريخية تحتاج إلى موضوعية
عماد نداف
خاص :
كتاب ضخم يصل حجمه إلى ألف صفحة من الحجم المتوسط صدر مؤخراً عن دار بعل بطباعة متطورة ، ويقوم الكتاب بالتأسيس لتاريخ الطاجيك من خلال جزأين من الكتاب يبدأ الجزء الأول منهما باستعراض التاريخ القديم للمنطقة ويتسع في تأريخه ليشمل آسيا الوسطى وصولا إلى أطراف الصين كما جاء في الجزء الثاني.
ورغم الجهد الكبير المبذول في عملية البحث إلا أن معالجة الجزء الثاني من الكتاب لعلاقة شعوب آسيا الوسطى كجزء من الخلافة العربية، وتداعيات تلك الظروف على الشعوب التي خضعت للحضارة العربية الإسلامية ذهب في اتجاهات تأريخية اعتمدت القولبة والتلفيق في جزء منها.
يعرض الكتاب لتاريخ نشوء الاسلام مؤسساً على منهجية الصراع الطبقي، فيذهب بعيدا في التأكيد على وصف تلك المرحلة التي رافقت التوسع العربي الإسلامي بالاقطاع، وفي الوقت نفسه يحرم التاريخ العربي الإسلامي من وجهة النظر في صراعات تلك الفترة ، ومباشرة ومن أجل تحليل الأسباب التي ساعدت في نشوء الديانة الجديدة على حد تعبيره أي (الإسلام) ةقيام العرب بعمليات (الغزو) للمناطق المتاخمة توقف عند التركيب الطبقي عند المجتمع العربي، فإذا هو يصل إلى نتيجة مسبقة تقول : إن علم (الدراسات الإسلامية البرجوازي) راكم ” كمية كبيرة من الحقائق وخلق عددا من الفرضيات المثالية بشأن أسباب نشوء الاسلام ، لكنه كان عاجزا بشكل عام من ناحية المنهج في مجال تحليل الجذور الاجتماعية للإسلام” ص9 من الجزء الثاني.
ويقول في مكان آخر : ” إن خلفاء محمد راحوا يبحثون عن مخرج من الأزمة الاجتماعية عن طريق فتوحاتهم العسكرية ” وبعد قليل يحدد مراجعه التي في أغلبها تقوم على بحوث سوفيتية أثيرت حولها إشكالات كثيرة وخاصة فيما يتعلق بنمط الإنتاج الإقطاعي، وخصائص نمط الإنتاج الآسيوي وخصوصيته.
وهذا يعني أن البناء على هذا المنهج جعل الباحث في غاية البعد عن البعد الحضاري للعرب المسلمون في ذلك الوقت الذي جعله يصفهم في الفصول التالية بالمحتلين الغزاة الذي يتقهقرون أما الانتفاضات (الشعبية /الطبقية) مع ممارسات وحشية واستغلالية وقهرية لشعوب المناطق الأخرى .
وعندما أوجز حديثه عن مجتمع الخلافة كما يسميه أشار إلى أن هذا المجتمع قطع شوطاً بعيداً إلى حد كبير على طريق قيام علاقات إقطاعية راسخة وواضحة مع الاحتفاظ بنمط علاقات اجتماعية قائم على الرق وأن (غزو) العرب لآسيا الوسطى ولشرق خراسان وما وراء النهر تم بإشراف وقيادة طبقة الأعيان والإقطاعيين ..” ص 11 من الجزء الثاني.
اعتمد الباحث بابا جان في محاولته إيجاد تاريج للطاجيك على عناصر بحثية فيها ظلم للمنطقة العربية والدور الحضاري العربي الذي ترك آثاره طويلا على هذه المنطقة، حتى لو وقع بعض حكام الولايات في أخطاء أو جرائم أو فساد ، ويمكن هنا إيجاز الملاحظات العامة على منهجية العمل التي اعتمدها بابا جان في بحثه :
أولا : المنهج التاريخي الذي اعتمد عليه أحادي وتلفيقي ونأى كثيرا عن الموضوعية إلى الدرجة التي لم يظهر فيها أي عنصر إيجابي للوجود العربي الإسلامي في تلك المناطق.
ثانيا : الاستناد إلى مراجع استشراقية تاريخية غير دقيقية اعتمدت منهجاً قسرياً في تفسير التاريخ وخاصة في بعده الطبقي، وقد ثارت حوارات كثيرة حول هذا الموضوع حتى في أدبيات الماركسية نفسها.
ثالثا: معاملة العرب كغزاة ومحتلين وناهبي ثروات الشعوب المجاورة ، وحتى الآن ثمة مجموعات بشرية قومية كاملة تنتمي إلى الحضارة العربية الإسلامية وتعتز بها ، وعندما يجد الباحث معطيات تفيد عكس مايسعى إليه في منهجه، يعزوها إلى الخديعة العربية .
رابعا : عندما يستشهد بالخليفة عمر بن عبد العزيز، ويقف عند إصلاحاته نلاحظ تشويها واضحا لتلك المراحل وضبابية في فهمها .
خامسا : يستهجن الخدع الحربية التي استخدمها القادة العرب المسلمون من أجل تحقيق منجزات لهم في الصراعات الجارية.
إن هذا الرؤية التاريخية عن شعوب الطاجيك تحتاج إلى روية ورجوع إلى وجهة النظر الأخرى التي قرأت الأحداث بغير هذه الطريقة ، حتى وإن وقعت أخطاء وكوارث في ظل الدولتين الأموية والعباسية .