باحثة ومترجمة مصرية تقدم أول ترجمة ودراسة لديوان ‘الغوث الأعظم’ للجيلاني

الشيخ عبدالقادر الجيلاني، الإمام الصوفي والفقيه الحنبلي، الذي يوصف بـ “سلطان الأولياء”، و”تاج العارفين” و”محيي الدين” و”شيخ الشيوخ”. إليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية، هو أبو صالح السيد محي الدين عبد القادر الجيلاني، ولد في جيلان ـ ويقال لها أيضاً كيلان ـ سنة 470 هـ الموافق 1077 وهي تقع في شمال إيران حالياً على ضفاف بحر قزوين، ونشأ في أسرة صالحة، فقد كان والده أبو صالح موسى على جانب كبير من الزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه “محب الجهاد”.

صنف الشيخ عبدالقادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصور، قال عنه الإمام النووي “ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه, كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته, وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة, وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والإعظام, والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه, وأُهرع إليه أهل السلوك (التصوف) من كل فج عميق.

وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة, مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت.

وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه.

وقد استمر الشيخ عبدالقادر مثابرا في دعوته إلى الله تعالى وجهاده في سبيله، حتى وافاه الأجل ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 هـ، فرغ من تجهيزه ليلا وصلي عليه ولده عبدالوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا، وبلغ تسعين سنة من عمره.

وفي إضافة للمكتبة العربية بشكل عام، والمكتبة الصوفية بشكل خاص، أصدرت دار “آفاق للنشر والتوزيع” ترجمة بالعربية لديوان “الغوث الأعظم” للشيخ عبدالقادر الجيلاني، قامت بها المترجمة د. منال اليمني عبدالعزيز الأستاذ المساعد بقسم اللغات الشرقيه وآدابها جامعة عين شمس التي قدمت للديوان ودرسته، وهذه الترجمة تعد الأولى باللغة العربية التي تصدر عن الديوان الفارسي الأصل، وتتميز بأنها تضم دراسة وتعليق ـ هي الأولى أيضا ـ لمحتوى الديوان.

يحمل الديوان بين دفتيه مجموعة من الأشعار الفارسية التي نظمها الشيخ، والتي يعبر فيها عن تجربته الروحية في العشق الإلهي، ومن خلال هذا الديوان يتعرف القارئ على ملامح تجربة “الجيلاني” الروحية، ومذهبه الصوفي، وسمات تجربته الشعرية الفريدة،

في مقدمتها تروي د. منال أن سائلا سأل رجلاً: ممن أنت؟ فقال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. وكان الرجل من قبيلة بني عذرة إحدى قبائل قضاعة، التي كانت تسكن وادي القري شمالي الحجاز. وكان عشاق هذه القبيلة يتحلون بالطهر والعفة في عشقهم؛ لذا فقد انتسب إليها كل عشق نقي طاهر، وسمي بالعشق العذري.

وتقول “إذا كان هذا هو حال عشاق بني عذرة في عشقهم الإنساني، فما بالنا بعشاق الذات الإلهية إذا عشقوا هل سيموتون؟ الواقع أن إجابة هذا السؤال سوف نجدها في أشعارهم التي عبروا فيها عن محبتهم وعشقهم للذات الإلهية، خاصة ما نظموه في قالب الغزل، لأنه القالب الأمثل لنظم أشعار العشق والمحبة. والغزل من أقدم الفنون الشعرية، وأكثرها شيوعًا وانتشارًا، لارتباطه بالمحبة والعشق، وتعبيره عن مشاعر وأحاسيس عاشها الناس كلهم في كل زمان ومكان”.

وتضيف “يعد الشعراء الصوفية أشهر شعراء الغزل، وأكثرهم اهتمامًا بهذا الفن، فقد نظموا فيه آلاف الأبيات من الشعر، وخصصوا له أقسامًا كبيرة من دواوينهم أو دواوينهم كلها، ومنها ديوان الشيخ عبدالقادر الجيلاني عام 561 هـ ، فهو من أكثر الشخصيات الصوفية التي حظيت باهتمام الباحثين، فما من مؤرخ تناول عصره إلا وأورد عنه خبراً قد يطول أو يقصر، وكذلك كتبت عنه ترجمات كثيرة، أحصي منها الدكتور يوسف زيدان ثماني وعشرين ترجمة. ومع كل هذا الاهتمام الذي أولاه الباحثون والمؤرخون للشيخ عبدالقادر ومؤلفاته، إلا أن ديوانه الشعري الفارسي (الغوث الأعظم) لم يحظ بالترجمة أو الدراسة، سوى شرح له باللغة الأردية، أعده محمد علي چراغ، ونشره نذير سنذر پيلشرز، اردو بازار، لاهور، وهو غير متوفر”.

وقد أكدت د. منال أنها آثرت ترجمة ديوان الشيخ عبدالقادر الجيلاني إليى العربية ودراسته؛ لأن الشيخ عبدالقادر نفسه أشاد بأشعار هذا الديوان، وعدها كلامًا عذبًا يؤثر في الأرواح ويجعلها تذوب حرقة، وقال: “كما عدها التذكار الذي سوف يبقي عنه، ويخلد ذكره حتي يوم القيامة”، وقال أيضاً: “سوف ينشد الخلق هذه الأبيات يا محيي حتي يوم القيامة ويجيء العالم ويذهبون، وتبقي هي”.

وإضافة إلي ما قاله الشيخ عبدالقادر عن ديوانه “الغوث الأعظم”، فإنه يمكن من خلاله تعرف سمات أسلوب الشيخ الشعري الفارسي، وملامح تجربته الروحية، وأسس مذهبه الصوفي، وتعد هذه أول دراسة بالعربية متعلقة بهذا الديوان، وأول ترجمة لأشعاره”.

عمدت د. منال في دراستها إلى المناهج: التاريخي والوصفي والأسلوبي والإحصائي مع الإفادة من المناهج الأخرى كلما اقتضت الضرورة.

والدراسة تتكون من جزئين، الجزء الأول يشتمل على مقدمة وتمهيد وقسمين وخاتمة، أما التمهيد فيعرف بالشيخ عبدالقادر الجيلاني، والقسم الأول يتناول الديوان من حيث الشكل، ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول يعرف بالديوان وسمات أسلوبه الإيقاعية والتصويرية والصرفية، والمبحث الثاني: يتضمن السمات المتعلقة بالألفاظ والتراكيب والرديف، أما المبحث الثالث فيتعلق بالتناص والرمز في الديوان.

والقسم الثاني يتناول الديوان من حيث المضمون ويتكون من ثلاثة مباحث المبحث الأول يعرف بالمقامات والأحوال والآداب والرسوم الصوفية الواردة في الديوان، والمبحث الثاني يختص بالأفكار والمفاهيم الصوفية، والمبحث الثالث: يشرح مذهب الشيخ عبدالقادر الصوفي كما يبدو في ديوانه وتعقبه الخاتمة، وتشتمل على أهم النتائج توصلت إليها الدراسة، أما الجزء الثاني فيتضمن ترجمة ترجمة الديوان إلى العربية.

ورأت د. منال أن الشيخ عبدالقادر عد العشق مقاما من المقامات الصوفية التي ينبغي على السالك أن يطويها، لأن العبد فطر على محبة الرب، والعشق عنده هو المرشد الذي يرشد السالك ويصل به إلى الغابة من السلوك، والمعشوق هو الذات الإلهية، وعشق العاشق للحق عشق أزلي أبدي، وهو السبيل إلى سعادة الروح والجسد والقلب ومشاهدة جمال الحق تعالى.

وقالت “وصف الشيخ عبدالقادر المعشوق بشدة الجمال، وبالعزة والكبرياء. ونعته أيضا بالقسوة وسفك الدماء وانعدام الوفاء ونقض العهد، وربما كان هذا بسبب شدة معاناته في عشقه أو لأن هذه السمات كانت هي سمات المعشوق الرائجة في عصره.

وقد نعت الشيخ عبدالقادر العاشق بأنه مسلوب الإرادة وضعيف وعاجز، يكابد الألم والحزن في عشقه، ويحتمل ما لا يطيق، ويضيق لشدة ما يعاني، ويصيبه اليأس والاحباط، فيتمنى الخلاص من الحياة، وقد ينوح ويشكو، فيفقد صوابه من كثرة أنينه، ثم يعود إلى رشده ليئن من جديد، ويعتقد أن أحدا في الدنيا لم يتألم ألمه أو يعاني معاناته في عشقه.

وحث الشيخ عبدالقادر السالك على التوبة لأنها تكفر الذنوب والآثام، ودعاه إلى الصبر على المحبوب حتى وإن صبر حتى يوم القيامة ونصح بالاعتدال في الخوف والرجاء”.

ومن أجواء الديوان قوله:

“فلتسعد قلوب الناس باللهو والطرب،

أما أنا فتعودت على المحنة ويلزمني الألم والبلاء”.

***

“كان الشمع يشبهني في الحرقة والانصهار

لو كان يملك قلبًا مكتويا وعينا غزيرة الدمع” .

***

“أقضي الليل في التفكير فيك،

وحين يطلع النهار يؤرقني التفكير في أنين الليالي الحالكة”.

***

“سوف أقود الجند، وأمضى إلى الفلك

وأستولي على قلعة الملائكة وأمضي بعدها

أنا ملك مقبل، لكنني محارب فحسب في هذا المنزل

وسأنضم إلى الجند بكل شجاعة

هذه الدعوة كانت تصلني من العلا في كل لحظة

فأتخلص من هذا البلاء وأمضي إلى المحبوب

لو يسحبني شيخ الحانة من شعري قائلا:

أين أنت أيها العبد؟ تعال. أذهب إلى الملك على رأسي

قبلة حاجات القلب، محلتنا الخربة

فلتذهب يا محيي إلى ذلك الباب عند مناجاة القلب”.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى