كتب

بالانجيو يرسم ملامح الحياة في المجتمع التنزاني الفقير

الروائي التنزاني يرصد من خلال روايته ‘الموت في الشمس’ أحوال أبناء المجتمع التنزاني.

تُعَد هذه الرواية “الموت في الشمس” للروائي والدبلوماسي التنزاني بيتر بالانجيو واحدةً من أشهر الروايات التنزانية التي ترصد أحوال أبناء الريف التنزاني، فقد كُتِبت بأسلوب قصصي سَلِس وممتع، وتدور أحداثها في “كاشا وانجا” شرق أفريقيا؛ إحدى القرى التنزانية المعزولة عن العالَم.

بالانجيو يرسم ملامح الحياة في المجتمع التنزاني الفقير

تَزخر الرواية التي تعد الوحيدة لكاتبها بالعديد من الشخصيات والقصص التي ترسم لنا ملامح الحياة في المجتمع التنزاني الفقير النائي، وتجسِّد مجملَ عقائده وعاداته. أمَّا محور الرواية فهو “تانيا” الشاب التنزاني الفقير الذي عانى طوال حياته من معامَلة أبيه القاسية، وهو ما اضطرَّه إلى هجر القرية للعمل في المدينة، ولكنه يعود إلى قريته بعد مرور عدة سنوات للتصالح مع والده المحتضر والذي سرعان ما توافيه المنية، يعود مصطحبًا معه ذكريات الماضي الأليم، ومزيجًا من مشاعر الحب والكراهية والحنين والأسى. فهل يستمر تَوالي الأحداث التراجيدية، أم يبتسم له القدَر أخيرًا؟

تحتفي جدة تانيا به، فهي التي اهتمت به وإخوته وأخواته بعد وفاة الأم. يتجول تانيا عبر القرية للقاء الأصدقاء القدامى، وبالتالي يظهر مع جيمس الذي كان متفوقا عليه في المدرسة، ويعمل الآن في الحكومة على الرغم من الجدل الذي يسببه عمله مع شيوخ القرية. يزور حانة مع صديقه موجيا حيث يلتقي “تريسا” لأول مرة. من المفترض أن تكون الفتاة عشيقة رجل عجوز يخفي ماضيه في الشائعات. يموت العشيق العجوز، وتقع تريسا وتانيا في حب بعضهما البعض.

الأبعادالسياسية للرواية

على الرغم من أن الرواية التي ترجمها سمير عبدربه وصدرت أخيرا عن مؤسسة هنداوي، تبدو وكأنها قصة عائلية وعودة إلى الوطن، إلا أنها تحمل في طياتها أبعادا سياسية، على الأقل إذا تم قراءتها في سياق تاريخ نشرها في أواخر الستينيات، حيث يقترب العقد الأول من استقلال تنزانيا من نهايته، وهناك خيبة أمل واسعة النطاق بشأن النتائج والتطورات التي حدثت منذ إنهاء الاستعمار، حيث إن أيديولوجية ما بعد الاستعمارية ركزت على التقاليد الأفريقية للأسرة والمجتمع، وهو أمر ينتقده الروائي صراحة، على سبيل المثال عندما يتعلق الأمر بالمواجهة حول العمل في الحقول بعد وفاة الأب.

من الواضح أنه يكره التمسك بالحداد السلبي على حساب العمل من أجل لقمة عيش الأسرة. مثال آخر هو رد فعل تانيا تجاه عائلته، وتراجعه المتكرر في أفكاره ومشاعره عندما لا يدرك حتى ما يدور حوله ويفكر في فراغ حياته. لقد كان لسلوكه لمسة قمعية أكثر من مرة كرد فعل لما يعانيه، وليس واضحا ما إذا حبه لتريسا سيتمكن من تغييره أم لا.

رواية الموت في الشمس نموذجا لواقع المجتمع التنزاني المأساوي

إن الشعور المرير بالغربة والإحباط والفقر يدفع تانيا إلى مواصلة استجواب نفسه حول قيمة أن يكون ذكيا في بيئة مأساوية. ويجادل حول قيمة الذكاء وأهمية احتياجه له. بينما “يقوم المرء بتقطيع الحطب طوال اليوم لإشعال النار من أجل غسل ملابس شخص آخر …”. ويظهر أن تانيا يعرف، من خلال ملاحظاته الخاصة، أن مواطنيه ليسوا جميعًا يعيشون في نفس المعاناة والفقر، فبينما كان يمشي لأميال وأميال بحثًا عن عمل، رأى “الوجوه السوداء الكبيرة السمينة في السيارات اللامعة التي تذر الغبار في عيونك بحيث لا يمكنك رؤية اللافتات في جميع أنحاء الطريق، “لا عمل! لا عمل”!، الذي لا يمكنك قراءته بأي حال من الأحوال..”.

بينما يواصل الروائي سرده لعودة تانيا إلى القرية، تصبح الأحداث المروية اللاحقة تعليقًا على الأسئلة التي أثارها تانيا. وباستخدام نقطة الارتكاز هذه، يرفع الروائي القصة الواقعية إلى ما هو أبعد من مجرد تقديم محاكاة للتجربة الفردية. تانيا (المتسائل) يصبح مجرد رقم بين كل أولئك الذين يسيرون على طريق أوهورو المترب.

إن “الموت في الشمس” تتبع معاني تلك الرحلة الترابية لفقراء القرية بحثا عن عمل وطبيعة الحالة التي تؤدي إليها. وبالمقارنة مع روايات أخرى من بلدان أفريقية في تلك الفترة من نهاية الستينيات من القرن العشرين تشكل الرواية نموذجا فيما يتعلق بالمكان من ناحية. ومن ناحية أخرى على مستوى بنائها غير التقليدي. وفنية السرد ورسم الشخصيات والتوغل في الواقع المجتمعي المأساوي الذي كان يعيشه مواطنو تنزانيا وقتئذ.

رواية الموت في الشمس رؤية مأساوية وانبعاث أمل

تتميز الرواية خاصة في نصفها الأول برؤيتها المأساوية المليئة بالصور المروعة للمرض والمعاناة واليأس والموت. وفي هذا الاطار تم عدها من كتابات الحداثة الجديدة الأفريقية. فالأسلوب السردي للمؤلف ومن خلال شخصيته الرئيسية يتجلى فيها تيار الوعي، وتاريخيته وصوره الطبيعية كرموز لهزيمة اليأس والسخرية وكذلك انبعاث الأمل الذي يهيمن على النصف الثاني من الرواية. ويتناول تطور إدراك الشخصية وكذلك وجهة نظر الراوي من السخرية والموت إلى الأمل والفهم. إن أسلوب العقل البصير في الرواية يشكل حلا أفريقيا للسخرية الحداثية والعدمية.

يذكر أن بيتر بالانجيو ولد عام 1939 في مدينة أروشا بتنزانيا. تلقى تعليمه في أوغندا وأميركا، وتخصص بدراسة علم الأحياء. بعد تخرجه. استكمل دراساتِه العليا، لكنه قرر ترك دراسة العلوم واتجه إلى دراسة الأدب، فحصل على دبلوم التربية من جامعة ماكيريري بأوغندا، وظل بأوغندا سنواتٍ قبل انتقاله مرةً أخرى إلى أميركا في عام 1968، حيث انضم إلى برنامج الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا، ونال درجةَ الماجستير في الكتابة الإبداعية، وبعدها حصل على درجة الدكتوراه من جامعة نيويورك. عمِل في التدريس قبل التحاقه بالسلك الدبلوماسي ملحقا ثقافيا للسفارة التنزانية بموسكو، ومفوَّضا ساميا في أوتاوا بكندا. وتوفي عام 1993.

ميدل إيست أونلاين

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى