صوت بسام كوسا يبدأ حلقات مسلسل «مال القبان» (ﺇﺧﺮاﺝ سيف الدين السبيعي ــ ﺗﺄﻟﻴﻒ علي وجيه ويامن حجلي) في حدوتة تسير بنا إلى زمن أبعد، يستعيدها كوسا وهو يبني عالمه الصغير في سوق الهال من الصفر مؤدياً شخصية نعمان الزير تاجر الأزمات في سوق الخضار الذي عرف جيداً كيف يستفيد من كل مصيبة حاقت بالعالم العربي.
نراه هنا خلف مكتبه في صراع يحتدم ضد عائلة الجبر للاستحواذ على سوق المال أو الهال. إن شئتم، بشخصية متماسكة وزئبقية وهيئة شعبية يتقمصها جيداً. حتى زواجه كان صفقة أثمرت عن حلب الحدود حتى آخر رمق. عندما عرف أن المنظمات يمكنها أن تدخل ما تريد في عصر التهريب الذهبي وأوج حصار الثمانينيات. فتزوج من ابنة قيادي فلسطيني مطلقة حتى يبلع ويبلع ولا يشبع. إنه شايلوك العمل وثقل القبان: بسام كوسا له سحنة مرابي قديم في مجتمع مأزوم يشبه السوق كل شيء فيه للبيع. يسنده نص وإخراج هو مفتاح الشخصية بلقطات قريبة على وجه نعمان الزير في شره وتناقضاته وانفعالاته أيضا.
بسام كوسا – شخصيته في مال القبان
ها هو يغش بالقبان ووزنه ثم وفي كل أسبوع يمارس «حجه» التطهري. فيقصد بيت الله وينظف حمامه وابنه خير (يامن الحجلي) ليمحو ذنوبه ويمارس طقوس الإيمان شكلياً كحاج. لكنه هناك بين المغاسل يتآمر مع ابنه بحثاً عن المزيد من المال والجاه والسيطرة على السوق أيضا. كما والتغيرات السياسية العربية وسقوط بغداد لن تمر من دون أن يستثمرها ابن السوق التاجر نعمان بتوريد المزيد من البضائع وبلع الأوراق الخضراء. بسام كوسا الذي يطل أيضاً في مسلسل «تاج» بدور رياض الخياط والجاسوس للاحتلال الفرنسي. يقدم في «مال القبان» شخصية مسيطرة مركبة من مجموعة عوامل في حكاية صعود وهبوط يتقنها ويطوع فيها وجهه وصوته. خاصة عندما يتوفى صديق عمره وشريكه أبوراما التاجر في سوق الهال، فيقصد والدته عدوية (ختام اللحام) ليبكي في حضنها في مشهد يجسد أقصى درجات الانكسار. بدورها، أجادت ختام اللحام دورها واللهجة السورية بإتقان، ومشهد غضبها ودعواها تحت المطر على ابنها الضال عظيم وتراجيدي.
في «مال القبان» شخصية كوسا أكثر واقعية أمام عمل الكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي على ثيمة السوق والجشع في حكاية محلية، فهي هنا حكاية سوق الهال والأزمات المتلاحقة محلياً وعربياً، وفساد الجهات المشغلة للمعابر التي يفترض أنها تكافح التهريب على الحدود، وللحاج نعمان صلات مع الجميع فهو التاجر في كل أزمة.
نعمان تاجر الأزمة السورية في مال القبان
وفي الأزمة السورية لنعمان حصته حكماً وسيضع المقطع الأول من الحلقة الثامنة عن سقوط بغداد والأزمات السياسية ثيمة لافتة تذكرنا بتجار الأزمة وأسيادها كما في المسلسل السابق للكاتبين «مع وقف التنفيذ» (من إخراج سيف سبيعي) بشخصية بشار إسماعيل الإرهابي «أبو العون» صاحب محطة الوقود والمهرب في آن. هنا تاجر الأزمة هو نعمان يخبرنا كيف أن تهريب الطعام والخضار في ظل تقطيع أوصال سوريا، لم يتوقف على المعابر الداخلية بين الإخوة الأعداء؛ بل كان على قدم وساق! إنها المعدة والمال لا يعترفان بالسياسة والولاءات، الولاء الوحيد هو للجيب فقط! وهي جرأة في الطرح يقدمها الكاتبان اللذان ينحازان دوماً للهم المجتمعي.
كوسا يمسك بمفاصل شخصيته ويغلق كل مثالبها. يبدو هناك أكثر اكتمالاً من أي وقت انقضى في حانوته المعتم المفعم بالدسائس والشر. بين باعة سوق «الجبر» كأب تقليدي قاس وجشع مع أبنائه وأمه. وهو المجبول بالحرمان في طفولته بين بسطات السوق. حروفه يلفظها على مهل ويتحرك بحرية في مساحة ينفرد بها هو كممثل. مساحة يملكها جيداً ويمسك بحبالها يشدها نحو أداء منضبط يقود اللقطة. يستلب عدسة الكاميرا بعفوية. وهو سيجعل حتى زواج ابنته موضع بازار ومفاوضات. فلا يتردد الحاج نعمان في مبازرة المتنفذ عزيز القروي (يؤدي دوره سعد مينا) على التهريب مقابل خروج شقيقه المتورط والموقوف لدى القاضي فارس (يقوم بدوره خالد القيش) ويكون زوج ابنة نعمان. والأخير فارس يفقد زوجته رغد (سلاف فواخرجي) في غياهب معتقل سياسي ويظنها ماتت حتى يفرج عنها.
في البازار البشري، نعمان الزير لا يوفر فرصة لبيع الناس بابتسامته الخبيثة ووعوده الكاذبة وغضبه العارم على أبنائه عندما لا يكونون كما يرغب ويطمح لهم أن يكونوا: انتهازيين مثله وأكثر.
صحيفة الاخبار اللبنانية