بعد اتفاقها مع واشنطن … هل تضرب أنقرة عصفورين بحجر واحد؟

عقدت الولايات_المتحدة و تركيا اتفاقاً عسكريّاً قد ينتج عنه تغيير في قواعد الاشتباك على الحدود التركية-السورية.الاتفاق الذي تمّ التوصّل اليه يوم الاربعاء الماضي بحسب صحيفة “حريات دايلي نيوز” التركيّة، سمح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انسيرليك الجوّيّة في جنوب تركيا من أجل ضرب أهداف تابعة لتنظيم داعش.

ويبدو حتى هذه اللحظة، من خلال الاتفاق نفسه، أنّ شنّ الاتراك غارات داخل سوريا ليس مجرّد ردّ فعل محدود على العمليّة الارهابيّة التي شنّها التنظيم داخل مدينة سوروتش يوم الاثنين الماضي، بل هو إعلان واضح عن انخراط الدولة التركيّة في حرب طويلة تشنّها داخل مناطق سوريّة قريبة من حدودها الجنوبيّة. تلك الحرب ستستمرّ حتى تحقيق بنود الاتفاق والمتعلّقة بإقامة منطقة خالية من عناصر التنظيم على طول الحدود مع تركيا.

الحزام الخالي من العناصر الارهابيّة سيمتدّ من مدينة جرابلس حتى مدينة مارع داخل الاراضي السورية بطول يبلغ 90 كيلومتراً وعرض يتراوح بين 40 الى 50 كيلومتراً بحسب كلّ منطقة. لكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت مساحة تلك المنطقة ثابتة أم قابلة للتوسّع في المستقبل. وتقضي الخطّة أيضاً بمنع المنظّمات الارهابيّة من استعادة السيطرة على تلك المنطقة سواء أكانت تابعة لتنظيم الدولة الاسلاميّة او لجبهة النصرة.

إلّا أنّ التدخّل الأميركي بحسب الاتفاق سيحصل “عند الحاجة” عبر “الضربات او الاستطلاع”. كما سيسمح باستعمال قاعدة انسيرليك من قبل دول أخرى قد تشارك لاحقاً في ضربات ضد التنظيمات الارهابيّة بتنسيق مع السلطات التركيّة. وحدّد الاتفاق أيضاً قواعد جوّيّة أخرى قد يتمّ اللجوء إليها في حالات طارئة يمكن أن تستجدّ في وقت لاحق.

وكانت لافتة في هذا الاطار تسمية المنطقة المذكورة ب”المنطقة الخالية من داعش” بدلاً من “المنطقة الآمنة” وذلك بطلب من الولايات المتحدة التي تعتبر محاربة تنظيم الدولة على رأس أولويّاتها. واستطراداً كان الهدف أيضاً من وراء طلب واشنطن لاستخدام تلك التسمية توجيه رسائلواضحة لدول عدّة على رأسها روسيا، مفادها أنّ الاتفاق لا يستهدف إسقاط الاسد بل فقط محاربة الارهابيّين.

وتشير معلومات في هذا السياق للصحيفة نفسها، إلى أنّه سيسمح لاحقاً لجنود من الجيش السوري الحر بالسيطرة على تلك المنطقة لإبعاد أيّ وجود لتنظيمات إرهابيّة أو كرديّة أخرى.

من جهة أخرى، حاولت تركيا أن تطالب بإنشاء منطقة حظر جوّي بحسب صحيفة “نيويورك تايمس” إلّا أنّ الولايات المتحدة رفضت هذا الامر أيضاً. غير أنّ مبعوث الرئيس الاميركي باراك اوباما الى أنقرة الجنرال جون ألين، الذي خاض مفاوضات مع مسؤولين أتراك للتوصل الى هذا الاتفاق، نفى أن يكون الحديث قد تطرّق الى إمكانيّة إقامة منطقة حظر جوّي. وإذا كان صحيحاً أنّ الاتفاق لم يعكس جميع تطلّعات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إلّا أنّ أنقرة استطاعت التعويض عن ذلك، من خلال الحصول على ضوء أخضر ضمني يسمح لها بضرب مراكز تدريب للمتمرّدين الاكراد اذا “هدّدوا” الحدود التركيّة، علماً أنّ واشنطن لن تشارك في هذه العمليّات لأنّها تعتبر أنّ الاكراد يحاربون “داعش”.

ومع شنّ أنقرة لهجمات ضد حزب العمّال الكردستاني أعلنت “حريات” أنّ عدداً من المواقع الالكترونيّة الكرديّة تمّ حجبه في تركيا وحتى داخل العراق صباح السبت. وأبلغ ناشطون عن صعوبات في الولوج الى بعض مواقع الفايسبوك وتويتر، فيما نفت مصادر رسميّة للصحيفة عينها أن يكون الحجب قد طال أيضاً الموقعين المذكورين.

وفي خضمّ فتح تركيا لجبهة ثانية مع المنظّمات الكرديّة في سوريا والعراق، مع ما يترك ذلك من علامات استفهام بشأن أولويّات أردوغان في المرحلة المقبلة، كتب المحلّل في صحيفة “دايلي بيست” توماس سيبورت منذ فترة عن استعدادات تركيّة للدخول الى شمال سوريا، لكن من أجل ضرب الأكراد لا من أجل محاربة “داعش” لأنّ أردوغان كان قد أعلن سابقاً بأنّه لن يسمح بإقامة دولة كرديّة على الحدود التركيّة، وذلك بعد تقدّم الاكراد على الحدود الشماليّة في سوريا.

لكنّ مصادر عسكريّة نبّهت الحكومة آنذاك من ترك انطباع لدى المجتمع الدولي من أنّ تركيا لا يهمّها إلّا ضرب الاكراد، كما أفادت صحيفة “هابرترك” التركيّة. ونبّهتها أيضاً من احتمال دخول الجيش التركي في مواجهات عسكرية مع كل من “داعش” والجيش السوري والمقاتيلن الاكراد.

مهما يكن الامر، إنّ الدخول التركي في حرب طويلة الامد عبر الاتفاق مع الاميركيين، سيشكّل نقطة تحوّل مهمّة في الصراع الدائر في المنطقة. الخبير في الشؤون العربية داخل معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى أندرو تابلر يؤكّد على مفصليّة التحرك التركي خصوصاً على مستوى فعالية الضربات الجوية. وهو يشارك بذلك الرؤية نفسها للكونغرس الاميركي بحسب ال”نيويورك تايمس” لأنّ القواعد الجوية في تركيا أقرب للمواقع المستهدفة من القواعد الموجودة في الكويت والاردن والعراق والخليج العربي.

في جميع الاحوال، لن تتبلور النوايا التركيّة في جدّية محاربة “تنظيم الدولة” إلّا خلال الاشهر المقبلة. فبحسب “حريات دايلي نيوز” ستضرب تركيا الجهاديين والمقاتلين الاكراد كعصفورين بحجر واحد. لكن يبقى هناك ترقّب لإمكانيّة استعمالها محاربة “داعش” شكليّاً وإعلاميّاً للتغطية على حربها الفعليّة ضدّ المقاتلين الاكراد في سوريا او في العراق.

صحيفة النهار الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى