تحليلات سياسية

بعد صاروخ “ديمونا”.. هل اقتنعت “إسرائيل” بالاتفاق النوويّ مع إيران؟

 

مع تعدّد الروايات حول ما جرى مؤخراً، انطلاقاً من جنوب دمشق، مروراً بأجواء الجولان المحتل وبحيرة طبريا، وصولاً إلى صحراء النقب في جنوب شرق فلسطين المحتلة، بين إطلاق وحدات الدفاع الجوي السوري صاروخ “أس 200″ (سام 5) على قاذفة للعدو الإسرائيلي كانت تعتدي (كالعادة) على مواقع عسكرية للجيش السوري أو لـ”حزب الله” أو لوحدات استشارية إيرانية، وإطلاق صاروخ إيراني باليستي متوسط المدى من طراز “فاتح 110″، رداً على الاعتداءات المذكورة، تبقى واقعة انفجاره (سواء كان من طراز “فاتح 110” أو “سام 5”) على مسافة بضعة كيلومترات من مفاعل “ديمونا” الإسرائيلي النووي هي الواقعة التي تستحقّ المتابعة والدراسة، لما تحمله من دلالات وأبعاد قد تساهم في خلق معادلة جديدة تحمل تغييراً أساسياً في مضمون الصراع أو الاشتباك الحالي في المنطقة، والذي يجري بين محور المقاومة من جهة و”إسرائيل” وحلفائها الأميركيين والإقليميين من جهة أخرى.

بمعزل عن أساس هذا الصراع المتعلّق بالاحتلال الصهيوني لأراضٍ عربية واغتصاب المقدسات الإسلامية والمسيحية، أو بما تملك “إسرائيل” وحلفاؤها من قدرات وأسلحة نووية أو تقليدية متطورة، فإنه يدور اليوم من الناحية العسكرية حول قسمين؛ يتعلق الأول بإمكانية امتلاك إيران القدرة على تصنيع قنبلة نووية أو أكثر، ويرتبط الآخر بامتلاكها وأغلب أطراف محور المقاومة أسلحة نوعية، من صواريخ ومسيّرات وقدرات بحرية صالحة ومناسبة كلها – النووي إذا اكتمل أو النوعي الموجود حالياً – لردع “إسرائيل” ومواجهتها، وإلحاق الهزيمة بها أيضاً.

لناحية النووي، يبدو أن مسار عودة الأميركيين إلى الاتفاق النووي الإيراني وإلغاء العقوبات عن إيران أصبح مكتملاً. ينقصه فقط الإخراج المناسب لعدم إظهار الأميركيين في موقف التراجع والرضوخ. قد تتساهل إيران في هذا الموضوع، لأنها مهتمّة أساساً بالمضمون المتعلّق بإلغاء جميع العقوبات عنها، من دون أن تتنازل في أي ملف آخر لم يكن أساساً ضمن بنود الاتفاق المذكور، والمقصود هنا نقطتان أساسيتان؛ الأولى تتعلق بقدراتها الصاروخية والنوعية الأخرى، من بحرية أو مسيّرات، والأخرى تتعلّق بنفوذها أو موقعها المحوري في المنطقة كراعية لمحور فاعل يقاوم “إسرائيل” بشراسة وثبات، بكل ما لكلمة “مقاومة” من معنى.

حتى الآن، كانت “إسرائيل” ضد عودة الأميركيين إلى الاتفاق النووي مع إيران، وحجَّتُها في ذلك تقوم على خوف وخشية وحذر من قدرات الأخيرة في الموضوع النووي، بحيث تعتبر أنها قادرة، وبسرعة، على تجاوز أي اتفاق معها، مهما كانت قيوده، والعودة إلى امتلاك الإمكانية المناسبة لتصنيع قنبلة نووية أو أكثر.

ولطالما كانت تل أبيب تربط هذه الإمكانية الإيرانية المتوفرة دائماً بالقدرات الفاعلة الأخرى، الصاروخية أو المسيرة وغيرها، والتي تشكل خطراً مدمراً على عمقها عند أية مواجهة مفترضة أو مرتقبة. هذه المواجهة تبقى واردة دائماً، لا لأن إيران ومحور المقاومة يعتبران “إسرائيل” دائماً العدو المحتل والمغتصب للأرض فحسب، بل لأنها لم تنزع من استراتيجيتها بتاتاً فكرة الاعتداء، ولن تفعل ذلك، وهي تعتبر أن وجودها واستمرارها في احتلالها لا يضمنه إلا الاعتداء المتواصل على محيطها، وخصوصاً أطراف محور المقاومة.

لناحية الصواريخ، وبالعودة إلى صاروخ ديمونا، يكفي بالنسبة إلى “إسرائيل” أن يقطع، سواء كان صاروخاً باليستياً من طراز “فاتح 110” أو صاروخ دفاع جوي من طراز “سام 5″، مسافة تتجاوز 200 كلم داخل الأراضي المحتلة، حتى يقال إن منظومة القبة الحديدية والدفاع الجوي الإسرائيلي فشلت، وإن مطلقي الصاروخ، مهما كان نوعه، وأياً كانت هويتهم، نجحوا في إيصاله إلى نقطة حسّاسة لا تمثل العمق الاستراتيجي للكيان فحسب، بل تمثل أيضاً الهدف الأكثر خطراً عليه، في ما لو تمّ استهدافه بدقّة بصاروخ يحمل حشوة متفجّرة عادية أو حشوة متفجّرة خاصة.

بمعزل عن وصوله إلى المفاعل النووي في ديمونا أو عدمه، فإن الصاروخ المذكور نقل إلى الداخل الإسرائيلي، وإلى الأميركيين، وإلى كل ما يهمه أمن الكيان، الرسالة التالية:

من غير الضروري أن تمتلك إيران أو أي طرف آخر فاعل من أطراف محور المقاومة قنبلة نووية، لكي تكون “إسرائيل” معرضة لانفجار نووي أو لتداعيات انفجار في منشأة نووية أو كيميائية من منشآتها المتعددة، والمنتشرة في أغلب نواحي كيانها. يكفي أن تمتلك إيران أو أحد أطراف المحور المذكور منظومة فاعلة من الصواريخ الدقيقة القادرة على تجاوز الدفاع الجوي الإسرائيلي، لكي تعوض في أية مواجهة مع “إسرائيل” مفاعيل القنبلة النووية، ولو بشكل جزئي، ما لم يكن بشكل كامل، ذلك أن “الجزئي” نفسه هنا يعد كافياً لإحداث الدمار المطلوب داخل الكيان.

من هنا، وانطلاقاً من هذه المعطيات المتعلّقة بخطر وصول أي صاروخ دقيق إلى أية منشأة حساسة للعدو، نووية أو كيميائية أو ما شابه، لم يعد للكيان مصلحة في التركيز على منع عودة الأميركيين إلى الاتفاق النووي مع إيران أو عرقلتها، فمصلحته الفعلية تكمن في عدم الاشتباك السياسي والدبلوماسي مع الأميركيين، وفي مجاراتهم في استراتيجيتهم الأساسية التي أرادوها من بنود الاتفاق، كما وافقت عليه إيران في العام 2015، والذهاب معهم إلى تنظيم المواجهة التقليدية الأخرى ضدها، بعيداً من النووي، والتي تتعلق بمحاولة ضبط أو تقييد معادلة القوة والردع التي فرضتها إيران بصواريخها الباليستية الدقيقة، وبمحاولة تقييد نفوذها الفاعل في المنطقة والإقليم.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى