مكاشفات

بين الأمل والخراب.. كيف تبدأ سوريا من جديد؟

د. محمد الحوراني

على الرغم من الأمل الكبير الذي حمله التغيير في سورية صبيحة أحّد التحرير إلا أن التحديات كانت، ومازالت كبيرة جدّاً، وخاصة بعد سنواتٍ من الصراع والمعاناة والدمار الذي أحدث زلزالاً في المجتمع والبنيان السوريين، وغدت الحاجة ماسّة إلى إعادة بناء الهُويّة الثقافية والسياسية من خلال تعزيز الشعور المشترك بالانتماء السوريّ، وإدارة عملية المصالحة الوطنية على أسس بعيدة كل البعد عن ديكتاتورية العائلة الواحدة والحزب الواحد، وهو ما يعني تشكيل هيئة مصالحة وطنية قادرة على استيعاب وتمثيل جميع المكوّنات العرقية والدينية والطائفية للشعب السوري وعدم استبعاد أيّ مكوّن من المكوّنات التي لا يمكن لسوريا أن تنهض بغياب أحدها.

وهي المصالحة  التي لا يمكن أن تتحقّق دون إقامة العدالة بين أبناء المجتمع ومكافحة الفقر وتهيئة المناخ للاستثمار الاقتصادي وعودة المهجرين السوريين الذين شكّلوا عبئاً كبيراً على اقتصادات دول الجوار أو الدول الإقليميّة وبعض الدول الأجنبيّة.

هذا المناخ الاستثماريّ لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال مساهمة هذه الدول برفع العقوبات الدولية عن الشعب السوري بعد أن زالت أسبابها بزوال النظام السابق، وبعد أن ساهمت بإنجاز الهدف الذي تمّ فرضها من أجله، وهذا يسهم إسهاماً كبيراً في مساعدة سوريا والانتقال بها من دولة ضاغطة على الدول الأخرى إلى دولة مساهمة في الرخاء الاقتصادي وتحقيق الأمن والسلم مع الدول العربية والإقليمية والعالمية وصولاً إلى نهضة سورية لا يمكن أن تتحقّق إلا من خلال تعزيز الثقة وبناء جسور التعاون مع  المحيط الخارجي والمجتمع المحلّي تمهيداً لاستعادة الدور الإقليمي والعالمي الحقيقي لسوريا بعيداً من الحروب والنزاعات الدموية، ولا سيما أن استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة والعالم بأسره.

وهذا لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال اتفاق عربي ودولي يساهم برفع العقوبات وتمكين الشعب السوري وقيادته الجديدة من عملية إعادة البناء السياسي والإعمار الاقتصادي بعيداً عن القيود والعقوبات التي أرهقت كاهل المجتمع.

وهذه العملية تحتاج إلى تضافر الجهود العربية عموماً والخليجية خصوصاً، بإحياء الدور المحوري والفاعل لها في تمويل إعادة الإعمار لسوريا والمساهمة في تهيئة الأجواء السياسية عبر حلّ سياسي شامل.

وهذا يساعد بدوره في إعادة سوريا إلى حاضنتها العربية بعيداً عن التجاذبات والأطماع الإيرانية والتركية فيها، كما يساهم في نهوض الدولة السورية من جديد لتشكّل محوراً حضارياً وثقافياً في عمق الوطن العربي والعالم.

وهو ما لن يتحقّق إلا من خلال صياغة  عقد اجتماعي جديد يكفل العدالة والمساواة بين أبناء الشعب السوري جميعاً، ويضع أسساً حضارية لقيام الدولة الوطنية المدنية الحديثة القائمة على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وتمكين الشبان السوريين داخل بلدهم وخارجها بوصفهم الركن الأساس لمستقبل البلاد والأقدر على النهوض بها، إذا ما توافرت لهم الشروط الحقيقية المتمثلة بالتعليم والتدريب والاستقرار ليتمكّنوا من معالجة ضعف البنية الإدارية وترهّل المؤسسات الوطنية التي أنهكتها سنوات الحرب والانقسام.

وهذا لا يتمّ إلا من خلال خلق مسار شامل وإستراتيجية حقيقية بعيدة المدى، يساهم في تشكيلها بشكل أساسي الدول العربية، وذلك لمعالجة الأمراض الهيكلية المزمنة وإعادة بناء جميع المفاصل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وغيرها.

وهذه الإستراتيجية لا يمكن رسم خطوطها ومساراتها الطبيعيّة إلا من قبل الدول التي تدرك أبعاد المسألة السورية وطبيعة الصراع والتعقيدات التي أفرزتها التدخلات الخارجية، والانقسامات الطائفية والعرقية في سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يسهم بشكل فاعل وإيجابي في تعزيز الحوار الوطني ووضع أسس سليمة لبناء الدولة الوطنية السورية الجديدة بما يحقق طموحات الشعب السوري وتطلّباته في الأمن والسلام والعدالة الاجتماعية له ولشعوب المنطقة عموماً.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى