تل أبيب: انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط يُحتِّم على إسرائيل ملء الفراغ الأمنيّ ويُلزِمها بإنشاء تحالفاتٍ إقليميّةٍ مع “الدول العربيّة السُنيّة المُعتدِلة لمُواجهة العدوّ المُشترك إيران”

 

حتى كبار قادة كيان الاحتلال الإسرائيليّ يُقِّرون بأنّ انسحاب الولايات المُتحدّة من الشرق الأوسط وتركيز جُلّ قدراتها وخبراتها في مُحاربة الصين تجاريًا، يُلقي بظلاله السلبيّة على مصالح الأمن القوميّ في تل أبيب، وبالتالي، يؤكّدون، يتحتّم على صُنّاع القرار في الكيان صوغ إستراتجيّةٍ جديدةٍ لمُواجهة التحدّيات القديمة-الجديدة التي تُهدِّد إسرائيل، إنْ كان تكتيكيًا أوْ إستراتيجيًا.

المُحلّلون شدّدّوا على أنّ أكبر دليلٍ على تقلبّات الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، هو أنّه على الرغم من مرور عدّة أيّامٍ على انتهاء الانتخابات التشريعيّة في إسرائيل لم يقُم بالاتصال هاتفيًا مع صديقة “اللدود”، بنيامين نتنياهو، لافتين في الوقت عينه إلى أنّ ترامب، صرّح بُعيد انتهاء الانتخابات التي أفرزت عن خسارة نتنياهو، صرّح بأنّ علاقات الولايات المُتحدّة هي مع إسرائيل، أيْ أنّه، بحسب المُحلِّل للشؤون السياسيّة في القناة 13 بالتلفزيون العبريّ وجّه رسالة حادّةً كالموس لنتنياهو: أنتَ لست وحيدًا، الأمر الذي دفع الأخير لإلغاء مُشاركته لأوّل مرّةٍ منذ 10 سنوات في اجتماعات الأمم المُتحدّة في نيويورك وإلغاء الاجتماع الذي كان مُقرّرًا بينه وبين ترامب، كما أكّدت المصادر الإسرائيليّة.

في السياق عينه، أكّدت مصادر إسرائيليّة، وُصِفَت بأنّها رفيعة المُستوى، أكّدت على أنّ الإدارة الأمريكية تُكثِر من التصريحات، لكن تنقصها الخطوة الأخيرة التي ستقود المهمة ضدّ إيران إلى نتائج حقيقيّةٍ فيما يتعلّق بالتصعيد الحاصِل في الخليج العربيّ، وبالتالي، تابعت، فإنّ تراكم الأحداث في هذه الأسابيع يُعزز الانطباع في إسرائيل بأنّه رغم التهديدات الكثيرة على إيران، فإنّ الرئيس الأمريكيّ يُفضِّل طريق المفاوضات، وهو لا يريد استخدام القوّة العسكريّة الكبيرة، والسؤال الأساسيّ هو هل سيُوافِق أحد الطرفين على تليين مواقفه بصورةٍ تسمح بالعودة إلى طاولة المفاوضات، مُضيفةً: تبدو الفجوات بين مواقفهما كبيرة في الوقت الحالي، وفق تعبيرها.

على صلةٍ بما سلف، قال كاتبٌ إسرائيليٌّ إنّ الخروج التدريجيّ للولايات المتحدة من الشرق الأوسط يتطلّب من إسرائيل تكثيف تعاونها الإقليميّ مع الدول الصديقة لمواجهة جملة تحدياتٍ أساسيّةٍ، على رأسها الملف الإيرانيّ، الأمر الذي يتطلّب منها بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لزيادة شراكاتها الإقليميّة، على حدّ تعبيره.

وأضاف أريئيل كابيري، الباحث في الشؤون الدوليّة، في مقاله التحليلي بمجلة (Israel Defense) الالكترونيّة المُختصّة بالشؤون الأمنيّة والعسكريّة، أضاف أنّ الانسحاب الأمريكيّ الماثل من المنطقة يدفع إسرائيل لمزيد من العمل والجهد لزيادة تدخلها في تطورات المنطقة الإقليمية السياسية والعسكرية والدبلوماسية، ممّا يحمل مخاطر أمنية يُمكِن أنْ تتحملها على عاتقها لزيادة شراكاتها الإستراتيجيّة في المنطقة، طبقًا لأقواله.

وأشار إلى أنّه في العام 1991 أرسلت الولايات المتحدة 500 ألف جندي إلى الشرق الأوسط خلال حرب الخليج الأولى لإخراج القوات العراقية من الكويت، وفي عام 2003 اكتفت بوجود 285 ألف جندي للإطاحة بنظام صدام حسين من العراق، واليوم في كلّ الشرق الأوسط يوجد 35 ألف جنديّ أمريكيّ فقط، ممّا يجعل إسرائيل تجد نفسها في وسط هذا الفراغ، حسب تعبيره.

ولفت المُحلِّل إلى أنّ الكيان يرى أنّ أسعار النفط في الأسواق العالميّة مرتبط أساسًا بوضع الاستقرار الأمنيّ في الشرق الأوسط، واستمرار الدعم الدوليّ لدول المنطقة، مع تزامنه مع زيادة التبعات المتوقعة على التأثير الروسي الإيراني، والخشية من عدم الاستقرار الداخلي للدول التي تشهد أعمالاً عنيفة داخلية.

وشدّدّ على أنّ إسرائيل مُطالبةٌ باستخلاص الدروس والعبر من الانسحاب الأمريكيّ من الشرق الأوسط، سواءً في الدور المُناط بالكيان في فرض استقرار المنطقة، أوْ صادرات السلاح الإسرائيليّ المطلوب لاقتصاد الدولة العبريّة، لكنّ الدور الإسرائيليّ الجديد لحفظ التوازن في المنطقة لمواجهة التحدي الإيراني يتطلّب من إسرائيل بذل المزيد من الجهود، والعمل في المسار الدبلوماسيّ للتعاون الإقليميّ، كما أكّد.

وأضاف أنّه في هذه الحالة، تبدو إسرائيل مدعوة للقيام بشراكات إقليمية، واستثمار مقدرات مطلوبة للتعاون الإقليميّ، ممّا يستدعي منها المسارعة في إنجاز الملف الفلسطينيّ للحفاظ على استقرار تلك الدول داخليًا، ومثل هذه الصفقة والتسوية ليست كفيلةً بمواجهة التحدّي الإيرانيّ فقط، وإنمّا تُساعِد في إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط الجديد من خلال البحث عن صيغة تحالفٍ إقليميّةٍ، على حدّ قوله.

وخلُص إلى القول إنّه إذا خرجت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط بصورةٍ نهائيّةٍ، فإنّ إسرائيل مدعوة للدخول لملء هذا الفراغ، مع وجود جهودٍ كبيرةٍ تتطلّب زيادة التعاون الإقليميّ، في إشارةٍ واضحةٍ منه إلى توثيق العلاقات السريّة-العلنيّة بين الكيان وبين الدول العربيّة المُصنفّة أمريكيًا وإسرائيليًا بـ”الدول العربيّة السُنيّة المُعتدِلة”، والتي تعتبر إيران، تمامًا مثل إسرائيل، العدوّ الذي يُهدّد مصالحها الإستراتيجيّة.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى